والجواب عن الأوّل أن الزمان] نوعان : حقيقيّ وهو مرور الليل والنهار ، أو مقدار حركة الفلك على ما قيل فيه. وتقديريّ وهو ما قبل ذلك وما بعده ، كما في قوله تعالى : (وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيها بُكْرَةً وَعَشِيًّا) (مريم : ٦٢) ، ولا بكرة هناك ولا عشيا ؛ و [إنما] (١) هو زمان تقديري فرضيّ.
وكذلك قوله [تعالى] (٢) : (خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ [وَما بَيْنَهُما]) (١) فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ (الفرقان : ٥٩) ، مع أن الأيام الحقيقية لا توجد إلا بوجود السموات والأرض والشمس والقمر ؛ وإنّما الإشارة إلى أيام تقديرية.
وعن الثاني أنّ «كان» لمّا دلّت على اقتران مضمون الجملة بالزمان ، لم يكن بعض أفراد الأزمنة أولى بذلك من بعض ، فإمّا ألاّ يتعلق مضمونها بزمان فيعطّل ، أو يعلّق بعضها [دون] (٣) بعض ، وهو ترجيح بلا مرجح ؛ أو يتعلّق بكلّ زمان ، وهو المطلوب.
وحيث وقع الإخبار بها عن صفة فعلية ، فالمراد تارة الإخبار عن قدرته عليها في الأزل ، نحو كان الله خالقا ورازقا ومحييا ومميتا ، وتارة تحقيق نسبتها إليه ، نحو : (وَكُنَّا فاعِلِينَ) (الأنبياء : ٧٩). وتارة ابتداء الفعل وإنشاؤه ؛ نحو : (وَكُنَّا نَحْنُ الْوارِثِينَ) (القصص : ٥٨) ؛ فإن الإرث إنما يكون بعد موت المورّث ، والله سبحانه مالك كل شيء على الحقيقة ، من قبل ومن بعد.
وحيث أخبر بها عن صفات الآدميين فالمراد التنبيه على أنها فيهم غريزة وطبيعة مركوزة في نفسه ، [نحو] (٤) : (وَكانَ الْإِنْسانُ عَجُولاً) (الإسراء : ١١). (إِنَّهُ كانَ ظَلُوماً جَهُولاً) (الأحزاب : ٧٢). ويدل عليه قوله : (إِنَّ الْإِنْسانَ خُلِقَ هَلُوعاً* إِذا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً* وَإِذا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً) (المعارج : ١٩ إلى ٢١) ، أي خلق على هذه الصفة ، وهي [حال] (٢) مقدّرة أو بالقوة ، ثم تخرج إلى الفعل.
وحيث أخبر بها عن أفعالهم دلّت على اقتران مضمون الجملة بالزمان ، نحو : (إِنَّهُمْ كانُوا يُسارِعُونَ فِي الْخَيْراتِ) (الأنبياء : ٩٠). ومن هذا الباب الحكاية عن النبي صلىاللهعليهوسلم بلفظ
__________________
(١) ليست في المخطوطة.
(٢) ليست في المطبوعة.
(٣) ليست في المخطوطة.
(٤) ليست في المخطوطة.