وذكر ابن عطية في سورة الفتح أنها حيث وقعت في صفات الله [تعالى] فهي مسلوبة الدلالة على الزّمان. والصّواب من هذه المقالات مقالة الزمخشري ، وأنها تفيد اقتران معنى الجملة التي تليها بالزمن الماضي لا غير ، [ولا] (١) دلالة لها نفسها على انقطاع ذلك المعنى ولا بقائه (٢) ؛ بل إن أفاد الكلام شيئا من ذلك كان لدليل آخر.
إذا علمت هذا فقد وقع في القرآن إخبار الله تعالى عن صفاته الذاتية وغيرها بلفظ «كان» كثيرا ، [نحو] (١) : (وَكانَ اللهُ سَمِيعاً عَلِيماً) (٣) (النساء : ١٤٨). (واسِعاً حَكِيماً) (٤) (النساء : ١٣٠). (غَفُوراً رَحِيماً) (٥) (الأحزاب : ٥٩). (تَوَّاباً رَحِيماً) (النساء : ٦٤). (وَكُنَّا بِكُلِّ شَيْءٍ عالِمِينَ) (الأنبياء : ٨١). (وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شاهِدِينَ) (الأنبياء : ٧٨).
فحيث وقع الإخبار «بكان» عن صفة ذاتية ؛ فالمراد الإخبار عن وجودها ، وأنها لم تفارق ذاته ؛ ولهذا يقررها بعضهم بما زال ؛ فرارا مما يسبق إلى الوهم ، إن كان يفيد انقطاع المخبر به عن الوجود لقولهم : دخل في خبر كان. قالوا : فكان وما زال (٦) مجازان ، يستعمل أحدهما في معنى الآخر مجازا بالقرينة. وهو تكلّف لا حاجة إليه ، وإنما معناها ما ذكرناه من أزلية الصفة ، ثم تستفيد بقاءها في الحال وفيما لا يزال بالأدلة العقلية ، وباستصحاب الحال.
وعلى هذا التقدير سؤالان :
ـ (أحدهما) : إن البارئ سبحانه وصفاته موجودة قبل الزمان (٧) [والمكان ، فكيف تدلّ «كان» الزمانيّة على أزلية صفاته ؛ وهي موجودة قبل الزمان؟
(وثانيهما) : مدلول «كان» اقتران مضمون الجملة بالزمان اقترانا مطلقا ، فما الدليل على استغراقه الزمان؟
__________________
(١) ليست في المخطوطة.
(٢) تصحفت في المخطوطة إلى (نهاية).
(٣) في المخطوطة (وَكانَ اللهُ سَمِيعاً بَصِيراً) النساء : ١٣٤.
(٤) في المخطوطة (واسعا عليما) وهو تحريف والصواب ما في المطبوعة.
(٥) في المخطوطة زيادة (حكيما عليما) وليست في المصحف بهذا النسق إنما فيه (عَلِيماً حَكِيماً) في مواضع أولها النساء : ١١.
(٦) في المخطوطة زيادة (فكان وما زال إخبارا مجازان).
(٧) ليست في المخطوطة.