[الأنعام : ٣٨] ولا تفريط أعظم من الإتيان بما لا يمكن معرفة المراد به البتة ، بل لا بد من انتظار القرينة ، ويقال لهم أيضا : إن القرينة لا بد من أن تكون من قبيل الكلام ، فبأي شيء يعرف المراد به؟ فلا بد من أن يقولوا : بظاهرة أو بقرينة أخرى ، فإن جوزوا أن يعرف المراد بظاهره فهلا قالوا بذلك في القرآن حتى لا يحتاجوا إلى القرينة ، وإن قالوا بقرينة أخرى أعدنا عليهم السؤال في تلك القرينة.
خلاف المرجئة :
ومما يذكر هاهنا أيضا ، خلاف المرجئة الذين أنكروا أن يكون للعموم لفظة موضوعة له. وقالوا : ليس يجوز في عمومات الوعيد أن تحمل على الشمول والاستغراق ، فلا لفظة موضوعة لهذا المعنى.
والكلام في ذلك يختص باب الوعد والوعيد ، غير أنا نشير هاهنا إليه ، فنقول : إن القائل إذا قال : من دخل داري أكرمته صح له أن يستثني أي رجل شاء ، حتى إن شاء استثنى منه زيدا ، وإن شاء عمرا ، وإن شاء بكرا ، أو خالدا ، فلو لا أن هذه اللفظة موضوعة للعموم وإلا كان فيه الاستثناء على الحد الذي ذكرناه ، لأن من حق الاستثناء أن يخرج من الكلام ما لولاه لوجب دخوله تحته.
والقوم ، فقد أنكروا ألفاظ العموم وقالوا : لو كانت هذه الألفاظ موضوعة للعموم لم يصح استعمالها في الخصوص الذي هو نقيضه ، فلما جاز ذلك دل على أنها غير موضوعة له البتة.
وجوابنا ، إن قدح هذا في أن يكون هذا اللفظ موضوعا للعموم ليقدحن أيضا في أن تكون العشرة موضوعة لهذا العدد المخصوص ، فإن لك أن تقول : عليّ لفلان عشرة إلا درهما ، فتكون قد أردت التسعة دون العشرة.
ومتى قيل : فما وجه التأكيد فيه أن لو كان موضوعا للعموم؟ قلنا : إن التأكيد لا يقدح في عمومه ، إذ لو قدح فيه ليقدحن أيضا في الخصوص ، ومعلوم أن القائل كما يقول لقيت القوم أجمعين؟ فقد يقول أيضا : جاءني زيد نفسه ، فليس إلا أن يعتمد ما قلناه.
ومما يذكر في هذه الجملة أيضا ، خلاف المرجئة إذا قالوا : ليس يجب أن تحمل عمومات الوعيد على عمومها ، فمن الجائز أن يكون هاهنا شرط أو استثناء لم يبينه الله