فالاستدلال بالسمع على تلك المسألة لا يصح.
فإن قالوا : لو قبح تكليف ما لا يطاق لحسن تكليف ما يطاق. قلنا : لا يمتنع أن يقبح ذلك ، وينقسم هذا كالكذب يقبح والصدق ينقسم ، وكإرادة القبيح تقبح وإرادة الحسن تنقسم. هذا هو الكلام على الأشعرية.
الكلام على النجارية :
وأما الكلام على النجارية فنقول : إن تكليف الكافر بالإيمان تكليف ما لا يطاق ، لأن الطاقة والقدرة سواء ، وهو لا يقدر إلا على الكفر لأنه لم يقع منه إلا الكفر ، فليس فيه إلا قدرة الكفر ، فيلزم أن يكون تكليفه بالإيمان تكليفا لما لا يطاق ، وذلك قبيح ، والله تعالى لا يفعل القبيح.
فإن قالوا : إن هذا إنما يلزم إذا لم يصح منه الإيمان أول يجوز أو لم يتوهم ، فأما إذا صح منه الإيمان وجوز وتوهم فلا. قلنا : إن شيئا من ذلك مما لا يمكن أن يفعل به الإيمان ، وإنما الإيمان يفعل بالقدرة عليه ، والكافر فقد عدمها.
بعد ، فهذه الألفاظ من توابع القدرة ولا تستعمل إلا حيث تستعمل القدرة ، فكيف يصح ما قالوه؟
طريقة أخرى في الكلام عليهم ، وهو أن نقول : إن الكافر إذا لم يقدر على الإيمان كان تكليفه به كتكليف العاجز في القبح ، فإن قالوا : إنا وإياكم اتفقنا على حسن تكليف الكافر بالإيمان فما غرضكم في هذه المنازعة؟ قلنا : إن غرضنا في ذلك أن تتبينوا فساد مذهبكم لتتركوه ، وصار الحال في ذلك كالحال في إلزامنا المجسمة أنه تعالى لو كان جسما لوجب أن يكون محدثا ، وقد ثبت قدمه ، فكم أنه ليس للمجسم أن يقول : إنا وإياكم أجمعنا على قدم القديم فما وجه هذا الإلزام؟ لأنا نقول لهم : إنما ألزمناكم لكي تتركوا مذهبكم الفاسد إلى مذهبنا ، كذلك هنا.
وما يبين لك أن تكليف الكافر بالإيمان كتكليف العاجز في القبح ، هو أنهما قد اشتركا في تعذر الإيمان عليها ، ومعلوم أن تكليف العاجز بالإيمان إنما يقبح لتعذره عليه ، فالكافر إذا شاركه في ذلك وجب أن يقبح تكليفه أيضا لأن افتراقهما من وجه آخر لا يمنع من اتفاقهما في هذا الوجه ، يبين ذلك ، أن الإيمان إنما يفعل بالقدرة ، وليس في الكافر قدرة على الإيمان كما في العاجز ، فوجب استواؤهما في قبح