من جهتنا ومتعلقة بنا ، وإن كان يجب أن تكون الأباطيل كلها من قبله فيكون مبطلا كاذبا تعالى عما يقولون علوا كبيرا.
(وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ :)
ومن ذلك ، قوله تعالى وتنزه وتقدس (وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (٥٦)) [الذاريات : ٥٦] وهذا يدل على أن الله تعالى لا يريد من العباد إلا العبادة والطاعة ، لأن هذه اللام لام الغرض ، الذي يسميه أهل اللغة : لام كي ، بدليل أنهم لا يفصلون بين قول القائل : دخلت بغداد لطلب العلم ، وبين قوله دخلت وغرضي طلب العلم. ويدل أيضا على أن هذه الأفعال محدثة من جهتنا ومتعلقة بنا ، وإلا كان لا معنى لهذا الكلام.
الكلام في الكسب :
ثم إنه رحمهالله ، تكلم في الكسب وما يتصل بذلك.
فقد علم عقلا وسمعا فساد ما تقوله المجبرة المدبرة الذين ينسبون أفعال العباد إلى الله تعالى.
وجملة القول في ذلك ، أن تصرفاتنا محتاجة إلينا ومتعلقة بنا لحدوثها.
وعند جهم بن صفوان أنها لا تتعلق بنا ، ويقول إنما نحن كالظروف لها حتى إن خلق فينا كان ، وإن لم يخلق لم يكن.
وعند ضرار بن عمرو أنها متعلقة بنا ومحتاجة إلينا ، ولكن جهة الحاجة إنما هو الكسب ، وقد شارك جهما في المذهب ، وزاد عليه في الإحالة ، لأن ما ذكره جهم على فساد معقول ، وما ذكره هو غير معقول أصلا.
فأما المتخلفون من المجبرة ، فقد قسموا التصرفات قسمين : فجعلوا أحد القسمين متعلقا بنا وهو المباشر ، والقسم الآخر غير متعلق بنا وهو المتولد. فشاركوا الأولين في المذهب ، وزادوا عليهم في الإحالة ، حيث فصلوا بين المباشر المتولد ، مع أنه لا سبيل إلى الفصل بينهما.
ونحن قبل الاشتغال بإفساد هذا المذهب نبين حقيقة الكسب.