قائمة الکتاب

إعدادات

في هذا القسم، يمكنك تغيير طريقة عرض الكتاب
بسم الله الرحمن الرحيم

شرح الأصول الخمسة

238/567
*

منع السمع من أن يشتق لله تعالى من ذلك اسم ، نحو الفقه والفضل والحراسة والطب إلى ما شاكل ذلك ، ولو لا السمع لكنا نجوز أن يوصف الله تعالى بهذه الأفعال أيضا.

وأما ما ذكرته من الحركة والمتحرك فجهالة مفرطة ، لأن المتحرك ليس هو اسم لمن فعل الحركة وإنما هو اسم لمن حلته الحركة ، والفاعل للحركة إنما يسمى محركا ، فلا جرم يجوز أن يسمى الله تعالى به. وما ذكرت من أمر الوالد فأبعد ، لأنه اسم لمن خلق الولد من مائه ، أو ولد الولد على فراشه ، وليس هو اسم لفاعل الولد ، وإنما الذي يشتق لفاعل الولد من هذا الاسم إنما هو المولد ، وذلك إنما لا يجري على الله تعالى لإيهامه الخطأ ، وهو أنه من جنس الأسباب ، لولاه وإلا كنا نجوز أن يسمى القديم جلّ وعزّ به.

آيات من القرآن تدل على أن الله لا يخلق أفعال العباد :

ثم إنه رحمه‌الله احتج بآيات من القرآن على أنه تعالى لا يجوز أن يكون خالقا لأفعال العباد ، وذلك لم يورده على طريق الاستدلال والاحتجاج ، فإن الاستدلال بالسمع على هذه المسألة متعذر ، لأنا ما لم نعلم القديم تعالى ، وأنه عدل حكيم لا يظهر المعجز على الكذابين ، لا يمكننا الاستدلال بالقرآن ، وصحة هذه المسائل كلها مبنية على هذه المسألة. ولأن إثبات المحدث في الغائب ينبني على إثبات المحدث في الشاهد ، إذ الطريق إلى ذلك ليس إلا أن يقال : قد ثبت أن هذه التصرفات محتاجة إلينا ومتعلقة بنا ، وإنما احتاجت إلينا لحدوثها ، فكل ما شاركها في الحدوث وجب أن يشاركها في الاحتياج إلى محدث وفاعل ، وهذه الأجسام كلها محدثة فلا بد لها من محدث وفاعل ، وفاعلها ليس إلا الله تعالى فكيف يستدل بالسمع عسى هذه المسألة والحال ما ذكرناه؟ فوضح بهذه الجملة أنه رحمه‌الله تعالى لم يورد هذه الآيات على وجه الاستدلال والاحتجاج وإنما أوردها على أن أدلة الكتاب موافقة لأدلة العقل ومقررة له.

(ما تَرى فِي خَلْقِ الرَّحْمنِ مِنْ تَفاوُتٍ) :

فما يدل على ذلك من جهة السمع قوله تعالى : (ما تَرى فِي خَلْقِ الرَّحْمنِ مِنْ تَفاوُتٍ) [الملك : ٣] نفى الله التفاوت عن خلقه. فلا يخلو : إما أن يكون المراد بالتفاوت : من جهة الخلقة ، أو من جهة الحكمة. لا يجوز أن يكون المراد به التفاوت من جهة الخلقة لأن في خلقة المخلوقات من التفاوت ما لا يخفى ، فليس إلا أن