والذي يدل على ذلك ، هو أن ما دل على استحالة كونه جسما الآن ثابت في جميع الحالات فيجب استحالة كونه جسما في سائر الحالات فهذه طريقة القول في ذلك.
فصل : لما بين رحمهالله الكلام في أنه تعالى لا يجوز أن يكون جسما بين استحالة كونه عرضا ، ونحن نبين أولا حقيقة العرض.
حقيقة العرض في اللغة :
اعلم أن العرض في أصل اللغة هو ما يعرض في الوجود ولا يطول لبثه سواء كان جسما أو عرضا ، ولهذا يقال للسحاب عارض ، قال الله تعالى : (هذا عارِضٌ مُمْطِرُنا) [الأحقاف : ٢٤] أي ممطرنا ، ولا بد من هذا التقدير لأن صفة النكرة نكرة ، وقيل : الدنيا عرض حاضر يأكل منه البر والفاجر ، هذا في أصل اللغة.
في الاصطلاح :
وأما في الاصطلاح ، فهو ما يعرض في الوجود ولا يجب لبثة كلبث الجواهر والأجسام ، وقولنا ولا يجب لبثه كلبث الجواهر والأجسام ، احتراز عن الأعراض الباقية فإنها تبقى ، ولكن لا على حد بقاء الأجسام والجواهر لأنها تنتفي بأضدادها ، والجواهر والأجسام باقية ثابتة.
وإذ قد عرفت هذا ، فالذي يدل على أنه تعالى لا يجوز أن يكون عرضا هو أنه لو كان كذلك ، لكان لا يخلو ، إما أن يكون شبيها بالأعراض جملة وذلك يقتضي كونه على صفات متضادة وذلك محال ، أو يكون شبيها ببعضها دون بعض وذلك يقتضي أن يكون القديم تعالى محدثا مثلها أو هي قديمة مثل الله تعالى ، وكلا القولين فاسد لأنا قد بينا قدم القديم وحدوث الأعراض.
وإن شئت قلت : الأعراض على ضربين : باق ، وغير باق. ولا يجوز أن يكون القديم تعالى من قبيل ما لا يبقى لما قد مر من قبل ، ولا أن يكون من قبيل ما يبقى لأنه ما من شيء منها إلا وهو مختص بحكم ، وذلك الحكم مستحيل على الله تعالى.
وإن شئت ، قلت : الأعراض على ضربين : مدرك ، وغير مدرك. لا يجوز أن يكون القديم تعالى من قبيل المدركات لما سنبينه من بعد إن شاء الله تعالى ، ولا أن يكون من قبيل ما لا يدرك لأنه ما من شيء منها إلا وهو مختص بحكم ، ذلك الحكم