ولا عميق ، فقد نفيتم آخرا ما أثبتموه أولا ، وهذا هو حد المناقضة ففارق أحدهما الآخر.
أحد ما يدل على أنه تعالى ليس جسما :
وأحد ما يدل على أنه تعالى لا يجوز أن يكون جسما ، هو أنه تعالى لو كان جسما لوجب أن يكون قادرا بقدرة ، والقادر بالقدرة لا يقدر على فعل الأجسام ، فكان يجب أن لا يصح من الله تعالى فعل الأجسام ، وقد عرف خلافه.
وهذه الدلالة مبنية على أصلين : أحدهما : هو أنه تعالى لو كان جسما لكان قادرا بقدرة : والثاني : أن القادر بالقدرة لا يصح منه فعل الجسم.
أما الذي يدل على أنه تعالى لو كان جسما لوجب أن يكون قادرا بقدرة فهو أنه لو لم يكن قادرا بقدرة لوجب أن يكون قادرا للذات ، وصفة الذات ترجع إلى الآحاد والأفراد دون الجمل ، من حيث أنها هي الصفة التي يقع بها الخلاف والوفاق ، وذلك يرجع إلى كل جزء منه ، فكان يجب أن يكون كل جزء منه قادرا ، وأن يكون بمنزلة أحياء قادرين ضم بعضهم إلى بعض ، وهذا يقتضي أن لا يحصل الفعل بداع واحد بل يحصل بدواع كثيرة مختلفة وأن يقع بينهم التمانع ، والمعلوم خلاف ذلك.
وبهذه الطريقة يعلم أن الواحد منا لا يجوز أن يكون قادرا لذاته.
ويمكن سلوك طريقة أخرى في الواحد منا ، فيقال : إنه حصل قادرا مع جواز أن لا يحصل قادرا والحال واحدة والشرط واحد ، فلا بد من أمر ومخصص له ولمكانه حصل قادرا وإلا لم يكن بأن يحصل على هذا الوجه أولى من خلافه ، وليس ذلك الأمر إلا وجود معنى هو القدرة ، فهذا هو الكلام في أنه تعالى لو كان جسما لكان قادرا بقدرة.
وأما الكلام في أن القادر بالقدرة لا يقدر على فعل الأجسام ، فهو أنه لو صح منه بما فيه من القدرة فعل الأجسام ، لصح منا أيضا بما فينا من القدرة ، لأن القدر وإن اختلفت فمقدوراتها متجانسة ، حتى ما من قدرة يصح أن يفعل بها جنس إلا وغيرها من القدر يصح ذلك الجنس بها ، فيلزم في الواحد منا أن يخلق لنفسه ما شاء من الأموال والأولاد ، والمعلوم خلاف ذلك.
ومما يدل على أن القادر بالقدرة لا يصح منه فعل الجسم ، هو أن القادر بالقدرة