بهم هذا «يجأرون» أي : ترتفع أصواتهم بالاستغاثة والضجيج لشدة ما نالهم.
ويقال لهم على وجه التبكيت : (لا تَجْأَرُوا الْيَوْمَ إِنَّكُمْ مِنَّا لا تُنْصَرُونَ).
لا تمنعون منا ولا ينفعكم تضرعكم (١).
قوله تعالى : (قَدْ كانَتْ آياتِي تُتْلى عَلَيْكُمْ فَكُنْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ تَنْكِصُونَ (٦٦) مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ سامِراً تَهْجُرُونَ (٦٧) أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ أَمْ جاءَهُمْ ما لَمْ يَأْتِ آباءَهُمُ الْأَوَّلِينَ (٦٨) أَمْ لَمْ يَعْرِفُوا رَسُولَهُمْ فَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ (٦٩) أَمْ يَقُولُونَ بِهِ جِنَّةٌ بَلْ جاءَهُمْ بِالْحَقِّ وَأَكْثَرُهُمْ لِلْحَقِّ كارِهُونَ (٧٠) وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْواءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ بَلْ أَتَيْناهُمْ بِذِكْرِهِمْ فَهُمْ عَنْ ذِكْرِهِمْ مُعْرِضُونَ (٧١) أَمْ تَسْأَلُهُمْ خَرْجاً فَخَراجُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ)(٧٢)
قوله تعالى : (قَدْ كانَتْ آياتِي تُتْلى عَلَيْكُمْ) يعني القرآن (فَكُنْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ تَنْكِصُونَ) وهذا مثل يضرب لمن يتباعد عن الحق كل التباعد فهو قوله (٢) : (فَكُنْتُمْ (٣) عَلى أَعْقابِكُمْ تَنْكِصُونَ) أي : ترجعون قهقرى وتتأخرون عن الإيمان ، وينفرون عن تلك الآيات ، وعن من يتلوها كما يذهب الناكص على عقبيه بالرجوع إلى ورائه (٤).
قوله : (عَلى أَعْقابِكُمْ) فيه وجهان :
أحدهما : أنه متعلق ب «تنكصون» كقولك نكص على عقبيه.
والثاني : أنه متعلق بمحذوف ، لأنه حال من فاعل (تنكصون) قاله أبو البقاء (٥) وقرأ أمير المؤمنين «تنكصون» بضم العين (٦) ، وهي لغة (٧).
قوله : «مستكبرين» حال من فاعل «تنكصون» (٨) ، و «به» فيه قولان :
أحدهما : أنه متعلق ب «مستكبرين» (٩).
والثاني : أنه متعلق ب «سامرا» (١٠).
وعلى الأول فالضمير للقرآن (١١) ، لأنهم كانوا يجتمعون (١٢) حول البيت بالليل
__________________
(١) انظر الفخر الرازي ٢٣ / ١١١.
(٢) في النسختين : كقوله.
(٣) في النسختين : وكنتم.
(٤) انظر الفخر الرازي ٢٣ / ١١١.
(٥) قال أبو البقاء : (قوله تعالى : «عَلى أَعْقابِكُمْ» هو حال من الفاعل في «تنكصون») التبيان ٢ / ٩٥٨.
(٦) تفسير ابن عطية ١٠ / ٣٧٩ ، البحر المحيط ٦ / ٤١٢.
(٧) في اللسان (نكص) : قال أبو منصور : نكص ينكص وينكص.
(٨) انظر مشكل إعراب القرآن ٢ / ١١٢ ، تفسير ابن عطية ١٠ / ٣٧٩ ، البيان ٢ / ١٨٧ ، التبيان ٢ / ٩٥٨.
(٩) انظر الكشاف ٣ / ٥١ ، التبيان ٢ / ٩٥٨ ، البحر المحيط ٦ / ٤١٣.
(١٠) المراجع السابقة ، والبيان ٢ / ١٨٧.
(١١) في ب : القرآن.
(١٢) في ب : يجمعون.