لكان الحكم الأول ثابتا». وقد علمت من هذا الذى ذكرناه أنه لا حاجة إلى هاتين الزيادتين ، بل هما تصريح بما علم من التعبير فى التعريف بكلمة «رفع» وأما إذا انتفى الأمر الثانى ، بأن لم يكن بين الدليلين تعارض حقيقى ، فإنه لا نسخ ، لأن النسخ ضرورة لا يصار إليها إلا إذا اقتضاها التعارض الحقيقى ، دفعا للتناقض فى تشريع الحكيم العليم ، الذى لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه. وحيث لا تعارض هناك على الحقيقة فلا حاجة إلى النسخ ، لأنه لا تناقض. ولا ريب أن إعمال الدليلين ولو بنوع تأويل ، خير من إعمال دليل وإهدار آخر. ولهذا حكم الغزالى فى كتابه المستصفى بغلط من زعموا تعارضا وتوهموا نسخا بين قوله سبحانه : (وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجالِكُمْ) وبين الخبر الوارد بقبول شهادة الواحد واليمين ، معتمدين على ما ظهر لهم فى الآية من أنها تدل على أنه لا حجة للحكم سوى المذكور فيها من شهادة اثنين ، مع أن هذا الظاهر لهم غير صحيح ، لأن الآية لا تدل إلا على كون الشاهدين حجة وعلى جواز الحكم بقولهما ، أما امتناع الحكم بحجة أخرى كما فهموا ، فلا تدل الآية عليه حتى يكون تعارض بينها وبين الخبر المذكور ، بل هو كالحكم بالإقرار. وذكر حجة واحدة لا يمنع وجود حجة أخرى.
(ثانيتها) أن التعريف المذكور يفيد أن النسخ لا يتوجه إلا إلى الحكم وهو كذلك فى الواقع ونفس الأمر ، وتقسيمهم النسخ إلى نسخ تلاوة ونسخ حكم تقسيم صورى للإيضاح فحسب ، لأن ما أسموه نسخ تلاوة لم يخرج عن كونه نسخ حكم ، إذ أن نسخ تلاوة الآية لا معنى له فى الحقيقة إلا نسخ حكم من أحكامها ، وهو رفع الإثابة على مجرد ترتيلها ، وصحة الصلاة بها ، ونحوهما.
(ثالثتها) ان هذا التعريف يشمل النسخ الواقع فى الكتاب وفى السنة جميعا ،