سواء أكانت السنة قولية أم فعلية أم وصفية أم تقريرية ، وسواء منها ما كان نبويا وما كان قدسيا ، لأنها كلها وحى بالفعل أو بالقوة ، والرسول صلىاللهعليهوسلم أقامه الله فى محراب الإمامة لخلقه ، وجعله الأسوة الحسنة لعباده ، وأمر الجميع باتباعه ، فهو إذن لا يمكن أن يصدر فيما يشرع لأمته ابتداء أو نسخا ، إلا عن إيحاء الله إليه تصريحا أو تقريرا.
مثال نسخ الكتاب بالكتاب قوله سبحانه : (لا يَحِلُّ لَكَ النِّساءُ مِنْ بَعْدُ وَلا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْواجٍ) فإنها نسخت بقوله سبحانه : (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنا لَكَ أَزْواجَكَ اللَّاتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ ، وَما مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمَّا أَفاءَ اللهُ عَلَيْكَ ، وَبَناتِ عَمِّكَ وَبَناتِ عَمَّاتِكَ ، وَبَناتِ خالِكَ وَبَناتِ خالاتِكَ اللَّاتِي هاجَرْنَ مَعَكَ ، وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَها لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَها ، خالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ).
ومثال نسخ السنة بالسنة ، نسخ الوضوء مما مست النار بأكله صلىاللهعليهوسلم من الشاة ولم يتوضأ.
(رابعتها) أن الإضافة فى كلمة «رفع الحكم الشرعى» الواردة فى تعريف النسخ ، من قبيل إضافة المصدر لمفعوله ، والفاعل مضمر وهو الله تعالى. وذلك يرشد إلى أن الناسخ فى الحقيقة هو الله ، كما يدل عليه قوله سبحانه : (ما نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِها) ويرشد أيضا إلى أن المنسوخ فى الحقيقة هو الحكم المرتفع. وقد يطلق الناسخ على الحكم الرافع فيقال : وجوب صوم رمضان نسخ وجوب صوم عاشوراء. وقد يطلق النسخ على دليله كذلك ، فيقال : آية المواريث نسخت آية الوصية للوالدين والأقربين. ويقال : خبر أكل الرسول من الشاة ولم يتوضأ ، ناسخ لخبر وضوئه صلىاللهعليهوسلم مما مست النار. وهلم. والخطب فى ذلك جد يسير.