«الوجه الثانى» أن محاولة هذه الترجمة فيها ادعاء عمل لإمكان وجود مثل أو أمثال للقرآن ، وذلك تكذيب شنيع لصريح الآية السابقة. ولقوله سبحانه : وقال الذين لا يرجون لقاءنا ائت بقرآن غير هذا أو بدّله. قل ما يكون لى أن أبدله من تلقاء نفسى ، إن أتبع إلا ما يوحى إلىّ. إنى أخاف إن عصيت ربى عذاب يوم عظيم* قل لو شاء الله ما تلوته عليكم ولا أدراكم به ، فقد لبثت فيكم عمرا من قبله ، أفلا تعقلون.
فإن المتأمل فى هاتين الآيتين يجد فيهما وجوها دالة على التحريم ، حيث عنون الله عن طلاب التبديل بأنهم لا يرجون لقاءه ؛ وأمر الرسول أن ينفى نفيا عاما إمكانه تبديله من تلقاء نفسه ، كما أمره أن يعلن أن أتباعه مقصور على ما يوحى إليه نسخا أو إحكاما.
ومعنى هذا أن التبديل هوى من الأهواء الباطلة ، والرسول لا يتبع أهواءهم ولا هوى نفسه ولا هوى أحد. (وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحى) وفى ختام الآية الأولى إشارة إلى أن هذه المحاولة التى يحاولونها عصيان لله ، وأنه يخاف منها عذاب يوم عظيم. وفى الآية الثانية إعلام بأن القرآن من محض فضل الله ، وأن الرسول ما كان يستطيع تلاوته عليهم ، ولا كان الله يعلمهم به على لسان رسوله ، لو لا مشيئة الله وإيحاؤه به. ثم حاكمهم إلى الواقع وهو أن الرسول نشأ بينهم وعاش عمرا طويلا فيهم ، حتى عرفوا حديثه وأسلوبه وأنه مهما خلق فى سماء البلاغة ؛ فبينه وبين حديث القرآن وأسلوبه بعد ما بين مكانة الخالق وأفضل الخلق. وأنه ما كان ينبغى أن يفترى الكذب على الله ويدعى أنه أوحى إليه ولم يوح إليه ، على حين أنه معروف بينهم بأنه الصادق الأمين ، فما كان ليذر الكذب على الناس ثم يكذب على الله. ثم أعلن القرآن أخيرا أن هذا الطلب إهمال منهم لمقتضى العقل والنظر ، وانحطاط إلى دركة الحيوان والحجر ، إذ قال لهم (أَفَلا تَعْقِلُونَ).