من أن تفوت هذه الفرصة السانحة لدعوتهم. فأنزل الله على رسوله تلك الآيات السالفة ، يعاتبه فيها ذلك العتاب القاسى الخشن ، ويفهمه أن حرصه على الهداية ما كان ينبغى أن يصل به إلى حد الإقبال الشديد على هؤلاء الصناديد وهم عنه معرضون ، ولا إلى حد الإعراض العابس فى وجه هذا الضعيف الأعمى وهو عليه مقبل.
وكأنى بك تحس معى حرارة هذا العتاب. وذلك لتقرير مبدأ من المبادئ العالية ، هو الإعراض عن المعرضين مهما عظم شأنهم ، والإقبال على المقبلين مهما رق حالهم (وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ. وَلا تَعْدُ عَيْناكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَياةِ الدُّنْيا. وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنا وَاتَّبَعَ هَواهُ وَكانَ أَمْرُهُ فُرُطاً) ولعلك تلمح معى من وراء هذا العتاب ، رحمة الرسول بأعدائه وإخلاصه لدعوته ، وتفانيه فى وظيفته ، وحرصه على هداية الناس أجمعين. زاده الله شرفا على شرفه وعزا على عزه آمين.
الوجه التاسع
ما نزل بعد طول انتظار
ومعنى هذا أن فى القرآن آيات كثيرة تناولت مهمات الأمور ، ومع ذلك لم تنزل إلا بعد تلبث وطول انتظار. فدل هذا على أن القرآن كلام الله لا كلام محمد ، لأنه لو كان كلام محمد ما كان معنى لهذا الانتظار فإن الانتظار فى ذاته شاق وتعلقه بمهمات الأمور يجعله أشق ، خصوصا على رجل عظيم يتحدى قومه بل يحدى العالم كله!.
ولبيان هذا الوجه نمثل بأمثلة خمسة :
(أولها) حادث تحويل القبلة من بيت المقدس إلى الكعبة ، نزل فيه قول الله تعالى :
(قَدْ نَرى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّماءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضاها. فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ. وَحَيْثُ ما كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ) فأنت تفهم معى من هذه الآية أن محمدا صلىاللهعليهوسلم