إنما العار الجارح لكرامة البشر ، أن يجمد الإنسان فلا يجتهد وهو أهل للاجتهاد ، أو يجمد المجتهد على رأيه وإن كان عظيما بعد أن يستعلن له خطؤه ، مع أن الرجوع إلى الحق فضيلة ، والرجوع إلى الحق خير من التمادى فى الباطل. والكمال المطلق لله وحده. وفى الحديث. «كل بنى آدم خطاء. وخير الخطائين التوابون».
يضاف إلى ما ذكرنا من الحكم والأسرار فى أخطاء الرسول الاجتهادية ، أمر آخر له قيمته وخطره ، وهو إقامة أدلة مادية ناطقة على بشرية الرسول وعبوديته ، وأنه ـ وهو أفضل خلق الله ـ لم يخرج عن أن يكون عبدا من عبيد الله ، يصيبه من أعراض العبودية ما يصيب العباد ، ومن ذلك خطؤه فى الاجتهاد ، وبذلك لا يضل المسلمون فى إطرائه ، ولا يغلون فى إجلاله ، كما ضل النصارى فى ابن مريم ولقد نبه الرسول صلىاللهعليهوسلم إلى ذلك فقال : «لا تطرونى كما أطرت النصارى ابن مريم ، إنما أنا عبد ، فقولوا : عبد الله ورسوله» رواه البخارى وقال : (إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ). وإن الظن يخطئ ويصيب ولكن ما قلت لكم قال الله فلن أكذب على الله» رواه أحمد وابن ماجة. وقال صلىاللهعليهوسلم «إنما أنا بشر. وإنكم تختصمون إلى فلعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض فأحسب أنه صادق فأقضى له على نحو ما أسمع. فمن قضيت له بحق مسلم فإنما هى قطعة من النار ، فليأخذها أو ليتركها» رواه مالك والشيخان وأصحاب السنن.
وخلاصة القول أن فى هذا المقام أمورا ثلاثة :
(أولها) أن خطأ الرسول صلىاللهعليهوسلم لم يكن من جنس الأخطاء المعروفة التى يتردى فيها كثير من ذوى النفوس الوضيعة ، كمخالفة أمر من الأوامر الإلهية الصريحة ، أو ارتكاب فعل من الأفعال القبيحة. إنما كان خطؤه عليه الصلاة والسلام فى أمور ليس لديه فيها نص صريح ، فأعمل نظره وأجال فكره وبذل وسعه ولكن على رغم ذلك كله خطأ.