المكافأة متى كان أهلا للاجتهاد وإن أخطأ ، لأن الإنسان ليس فى وسعه أن يكون معصوما من الخطأ. بل المجتهد يخطئ بعد أن يبذل وسعه فى طلب الصواب وهو يتمنى ألا يخطئ بل وهو يخشى أشد الخشية أن يخطئ ، والله تعالى يقول : (لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها) وعلى هذا قررت شريعتنا السمحة أن المجتهد له أجر إن أخطأ وأجران إذا أصاب. روى الجماعة كلهم حديث «إذا حكم الحاكم فى شىء فاجتهد ثم أصاب فله أجران. وإذا حكم فاجتهد ثم أخطأ فله أجر واحد» بل كان النبى صلىاللهعليهوسلم يعطى أمراء الجيوش والسرايا حق الحكم بما يرون فيه المصلحة ، ويقول للواحد منهم : وإذا حاصرت أهل حصن فأرادوك على أن تنزلهم على حكم الله فلا تنزلهم على حكم الله ، ولكن أنزلهم على حكمك ؛ فإنك لا تدرى أتصيب فيهم حكم الله أم لا» رواه أحمد ومسلم والترمذى وابن ماجة.
ولا ريب أن الرسول صلىاللهعليهوسلم كان فى موضع الإمامة الكبرى للخلق فكان من حكمة الله أن يجتهد ليقلده الخلق فى الاجتهاد ، وأن يخطئ فى بعض الأمور لئلا يصرفهم خوف الخطأ فى الاجتهاد عن الاجتهاد ، ما دام أفضل الخلق على الإطلاق قد أخطأ ومع خطئه لم يمتنع عن الاجتهاد ، بل عاش طوال حياته يجتهد فى كل ما لم ينزل عليه فيه وحى ، حتى يتقرر فى الناس مبدأ الانتفاع بمواهب العقول وثمار القرائح ، ويتحرر الفكر البشرى من رق الجمود والركود .. ثم كان من حكمة الله أيضا أن يقف رسوله على وجه الصواب فيما أعوزه فيه الصواب ليعلم الناس أنه ليس كأحدهم ، ولا أن اجتهاده كاجتهادهم ، بل اجتهاده حجة دونهم ، لأنه صلىاللهعليهوسلم مؤيد من لدن ربه ، يتولاه مولاه دائما حتى لا يقره على خطأ فى الأمور الاجتهادية. وهنا يزداد الذين آمنوا إيمانا به ، وثقة بكل ما صدر عنه. ثم يقتدرون به فى وجوب الخضوع للحق إذا ظهر ، كما كان الرسول يخضع له ويعلنه ويعلن خطأه فيما أخطأ فيه لا تأخذه العزة بالإثم ، ولا تلويه العظمة عن حق ، بل هنا سر العظمة وسر النهضة وسر تربية الأمة بالقدوة. (لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كانَ يَرْجُوا اللهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللهَ كَثِيراً).