يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ) ولقد تحققت نبوءة القرآن هذه ، ولم يتمكن أحد من أعداء الإسلام أن يقتله عليه الصلاة والسلام ، مع كثرة عددهم ووفرة استعدادهم ومع أنهم كانوا يتربصون به الدوائر ويتحينون الفرص للإيقاع به والقضاء عليه وعلى دعوته؟ وهو أضعف منهم استعدادا وأقل جنودا. فمن الذى يملك هذا الوعد وتنفيذه إذن إلا الله الذى يغلب ولا يغلب ، والذى لا يقف شىء فى سبيل تنفيذ مراده (وَهُوَ الْقاهِرُ فَوْقَ عِبادِهِ)؟. وإن لم تصدقنى فسل التاريخ والمؤرخين ، كم من الملوك والأمراء والفراعين ضرجت الأرض بدمائهم ، وهم بين جنودهم وخدمهم وحشمهم!؟
فهل يمكن بعد هذا أن يكون القرآن الذى احتوى ذلك الضمان من كلام محمد وهو من قد علمت ضعفه وقوة أعدائه يومئذ؟ حتى لقد كان يتخذ الحراس قبل نزول هذه الآية ، فلما نزلت إذا ثقته واعتداده بها أعظم من ثقته واعتداده بمن كانوا يحرسونه. وسرعان ما صرف حراسه وسرحهم عند نزول الآية قائلا : أيها الناس انصرفوا فقد عصمنى الله كما
رواه الطبرانى عن أبى سعيد الخدرى. وكذلك روى مسلم فى صحيحه عن جابر قال : كنا إذا أتينا فى سفرنا على شجرة ظليلة تركناها لرسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم فلما كنا بذات الرقاع نزل نبى الله تحت شجرة وعلق سيفه فيها. فجاء رجل من المشركين فأخذ السيف فاخترطه وقال للنبى صلىاللهعليهوآلهوسلم : أتخافني؟ قال : لا ، قال من يمنعك منى؟ قال : الله يمنعنى منك. ضع السيف فوضعه. ومما يجدر التنبيه له أن هذا الأمن كان فى الغزوة التى شرعت فيها صلاة الخوف!
ومن شواهد حماية الله لرسوله وإنجازه له هذا الوعد ، ما ورد عن على رضى الله عنه قال : كنا إذا احمر البأس وحمى الوطيس اتقينا برسول الله صلىاللهعليهوسلم فما يكون أحد منا أقرب إلى العدو منه.
ومن أبلغ الشواهد على ذلك أيضا ما ثبت من أنه صلىاللهعليهوسلم فى يوم حنين حين أعجبت المسلمين كثرتهم وأدبهم الله بالهزيمة حتى ولوا مدبرين ، أنزل سبحانه سكينته على رسوله ،