بموضوع معين ، ويختص كل فصل من فصول هذا الباب بمسالة أو مسائل وهكذا. فأنت تجد فى الغالب كل سورة من سور القرآن جامعة لمزيج من مقاصد وموضوعات ، يشعر الناظر فيها بمتعة ولذة ؛ كلما تنقل بين هذه المقاصد فى السورة الواحدة ، كما يشعر الآكل باللذة والمتعة كلما وجد ألوانا شتى من الأطعمة على المائدة الواحدة. وإذن ففي هذا النمط الذى اختاره القرآن فائدتان : دفع السأم والملل عن الناظر فى هذا الكتاب ، وانقياد النفوس إلى هداياته بلباقة من حيث لا تحس بغضاضة. يضاف إلى هذا ما نلمحه من الوحدة الفنية فى السورة أو القطعة الواحدة ، ومن وفاء القرآن بجميع الاصطلاحات البشرية ، على رغم هذا الانتشار القاضى فى العادة بعدم الانسجام وبفوات شىء أو أشياء من مقاصد التأليف وأغراض المؤلفين. حتى ليبدو ذلك وجها جديدا من وجوه الإعجاز ، يؤمن به عن خبرة وإحساس كل من ابتلى بتأليف أو مزاولة آثار المؤلفين!
(رابعها) تكرار ما يستحق التكرار من الأمور المهمة ، حتى يجد سبيله إلى النفوس النافرة والطباع العصية ، فتسلس له القيادة وتلقى إليه السلم ، مثال ذلك تقرير القرآن لعقيدة التوحيد واستئصاله لشأفة الشرك ، بوساطة الحديث عنهما مرارا وتكرارا : تارة يصرح وأخرى يلوح. وتارة يوجز وأخرى يطنب. وتارة يذكر العقيدة مرسلة وأخرى يذكرها مدللة. وتارة يشفعها بدليل واحد وأخرى بجملة أدلة. وتارة يضرب لها الأمثال وأخرى يسوق فيها القصص. وتارة يقرنها بالوعد وأخرى بالوعيد. وهلم.
(خامسها) مخاطبته العقول والأفكار ، ودعوته إلى أعمال النظر وطلب الدليل والبرهان ، ونعيه على من أهملوا العقول واستمرءوا التقليد الأعمى ، وركنوا إلى الجمود. اقرأ قوله سبحانه : (وَإِذا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا ما أَنْزَلَ اللهُ قالُوا : بَلْ نَتَّبِعُ ما أَلْفَيْنا عَلَيْهِ آباءَنا. أَوَلَوْ كانَ آباؤُهُمْ لا يَعْقِلُونَ شَيْئاً وَلا يَهْتَدُونَ). وقوله : (إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ) وقوله : (لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِها ، وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِها ، وَلَهُمْ آذانٌ لا يَسْمَعُونَ بِها. أُولئِكَ كَالْأَنْعامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ. أُولئِكَ هُمُ الْغافِلُونَ).