٣ ـ كانت إذن مهمة القرآن الحكيم التى أرادها لتمهيد السبيل إلى التعريف بالخالق جل شأنه ، أن يعين للعقول بضرب الأمثال ، لم تفكر؟ وفيم تفكر؟ وكيف تفكر؟ فهو فى جهاده هذا كان يخطط أرض العلم لتقيم العقول البشرية عليها صروحه الشامخة المتينة ، ويرسم الخطوط الأساسية للصور كى يملأها الرسام بما يلزم لها من الألوان والظلال ومعالم الجمال.
٤ ـ لم يقف القرآن الكريم عند هذا الحد فيما ضرب لنا من الأمثال ، فى بيان بعض غوامض الحقائق الكونية ، بل جاء فى ذلك بحقائق أمر الأميين وغير المحصلين بالتسليم بها والتفويض فيها ، كما أمر العقول الناضجة المقتدرة بطلابها والوقوف على دقائقها والعلم بوجوه الصواب فيها. ثم نصح الفويقين أن يعترفا بعجز عقولهم وألا يقطعا بشيء فيما لا تبلغه أبحاثهم وسعيهم ، بل يتهمون أنفسهم بالعجز والقصور ؛ ويسألون أهل الذكر فيما لا يعلمون ، أو يكلون أمر ما لا يدركون إلى من يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير.
٥ ـ أن المسيحيين حينما ثاروا فى وجه العلم ونظام الحكم ثوراتهم التجديدية فى أوربة ، لم يكونوا ليشبهوا فى شىء من مواقفهم تلك أحدا من الشعوب الإسلامية ، فإنما كان مبعث حركتهم العنيفة ومصدر ثورتهم الدموية ، أن رجال الكنيسة باسم الدين حجروا على العقول والوجدان ، وقرروا للكنيسة فلسفة حرموا على الناس حتى استيضاح ما غمض عليهم منها. ثم قرروا تكفير من يقول بغيرها ، ولو اعتمد فى رأيه على الحس والمعاينة. حتى لقد كان منهم ميلانشتون وكيرمونينى اللذان رفضا أن ينظرا إلى السماء بالآلة المقربة (تلسكوب) وقد روى عن غاليلو أن من تلاميذ المذهب الأرسطاطالى من كانوا ينكرون وجود أجسام علوية مرئية بالفعل ، وأنهم كانوا يعتبرون فلسفة أرسطو كتلة واحدة لا تقبل التفكيك ، إذا نقض منها حجر انهار سائر بنيانها على أثره فكان ذلك سبب مغالاتهم فى التمسك بها والحرص عليها مجتمعة».