قوله تعالى (ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً* وَجَعَلْتُ لَهُ مالاً مَمْدُوداً* وَبَنِينَ شُهُوداً* وَمَهَّدْتُ لَهُ تَمْهِيداً* ثُمَّ يَطْمَعُ أَنْ أَزِيدَ* كَلَّا إِنَّهُ كانَ لِآياتِنا عَنِيداً* سَأُرْهِقُهُ صَعُوداً* إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ* فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ* ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ* ثُمَّ نَظَرَ* ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ* ثُمَّ أَدْبَرَ وَاسْتَكْبَرَ* فَقالَ إِنْ هذا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ* إِنْ هذا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ) رواه الحاكم وقال : صحيح على شرط البخارى. فانظر إلى الرجل حين أرسل نفسه على سجيتها العربية ، وبديهتها الفطرية كيف أنصف فى حكمه ، حين تجرد ساعة من عناده وكفره ، وقال : والله ما يشبه الذى يقوله شيئا من هذا إلى أن قال : وإنه ليحطم ما تحته. ثم انظر إلى الرجل حين غلبت عليه شقوته ، وعاوده عناده وتعصبه ، كيف قاوم فطرته وأكره نفسه على مخالفة شعوره ووجدانه وقال ما قال بعد أن حار وذهب كل مذهب فى ضلاله وحيرته ، على نحو ما يصور القرآن تلك الحيرة والمقاومة والاستكراه بقوله : (إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ) الخ. نسأل الله الحماية والهداية بمنه وكرمه. آمين.
٢ ـ ونريد بجمال القرآن اللغوى ، تلك الظاهرة العجيبة التى امتاز بها القرآن فى رصف حروفه وترتيب كلماته ، ترتيبا دونه كل ترتيب ونظام تعاطاه الناس فى كلامهم. وبيان ذلك أنك إذا استمعت إلى حروف القرآن خارجة من مخارجها الصحيحة ، تشعر بلذة جديدة فى رصف هذه الحروف بعضها بجانب بعض فى الكلمات والآيات هذا ينقر وذاك يصفر. وهذا يخفى وذاك يظهر ، وهذا يهمس وذاك يجهر ، إلى غير ذلك مما هو مقرر فى باب مخارج الحروف وصفاتها فى علم التجويد. ومن هنا يتجلى لك جمال لغة القرآن حين خرج إلى الناس فى هذه المجموعة المختلفة المؤتلفة ، الجامعة بين اللين والشدة ، والخشونة والرقة ، والجهر والخفية ، على وجه دقيق محكم ، وضع كلا من الحروف وصفاتها المتقابلة فى موضعه بميزان حتى تألف من المجموع قالب لفظى مدهش ، وقشرة سطحية أخاذة امتزجت فيها جزالة البداوة فى غير خشونة ، برقة الحضارة من غير ميوعة ، وتلاقت عندها أذواق القبائل العربية على اختلافها بكل يسر وسهولة. ولقد وصل هذا الجمال اللغوى إلى قمة الإعجاز ، بحيث