له جهة فوق ولا يقال له جهة تحت؟ ولما ذا يشار إليه فوق ولا يشار إليه تحت؟ ثم ألا يعلمون أن الجهات أمور نسبية ، فما هو فوق بالنسبة إلينا ، يكون تحتا بالنسبة إلى غيرنا؟ فأين يذهبون!
(رابعا) نقول لهؤلاء : ما ذا تقولون فى قوله تعالى يد الله فوق يديهم بإفراد اليد ، مع قوله : (لِما خَلَقْتُ بِيَدَيَ) بتثنيتها ، ومع قوله : (وَالسَّماءَ بَنَيْناها بِأَيْدٍ) بجمعها. فإذا كنتم تعملون النصوص على ظواهرها حقيقة ، فأخبرونا : أله يد واحدة بناء على الآية الأولى؟ أم له يدان اثنتان بناء على الآية الثانية ؛ أم له أيدا أكثر من اثنتين بناء على الآية الثالثة؟
(خامسا) نقول لهؤلاء : قد ورد فى الصحيح أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : «ينزل ربنا كل ليلة إلى سماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر ، فيقول : من يدعونى فأستجيب له؟ من يسألنى فأعطيه؟ من يستغفرنى فأغفر له؟» رواه البخارى ومسلم وغيرهما. فكيف تأخذون بظاهر هذا الخبر ، مع أن الليل مختلف فى البلاد باختلاف المشارق والمغارب؟ وإذا كان ينزل لأهل كل أفق نزولا حقيقيا فى ثلث ليلهم الأخير ، فمتى يستوى على عرشه حقيقة كما تقولون؟ ومتى يكون فى السماء حقيقة كما تقولون؟ مع أن الأرض لا تخلو من الليل فى وقت من الأوقات ، ولا فى ساعة من الساعات كما هو ثابت مسطور ، لا يمارى فيه إلا جهول مأفون!
(سادسا) نقول لهؤلاء ما قاله حجة الإسلام الغزالى ، ونصه : «نقول للمتشبث بظواهر الألفاظ : إن كان نزوله من السماء الدنيا ليسمعنا نداءه فما أسمعنا نداءه فأى فائدة فى نزوله؟ ولقد كان يمكنه أن ينادينا كذلك وهو على العرش أو على السماء العليا. فلا بد أن يكون ظاهر النزول غير مراد ، وأن المراد به شىء آخر غير ظاهره. وهل هذا إلا مثل من يريد وهو بالمشرق إسماع شخص فى المغرب ، فتقدم إلى المغرب بخطوات معدودة ، وأخذ يناديه وهو يعلم أنه لا يسمع نداءه ؛ فيكون نقله الإقدام عملا باطلا ، وسعيه نحو المغرب عبثا صرفا لا فائدة فيه. وكيف يستقر مثل هذا فى قلب عاقل؟» اه.