أو لأنه بتغير بتغير التوابع ، فيختلف باختلاف أحوال المخاطبين ، وباختلاف مقدرة المتكلمين ، وباختلاف الألسنة واللغات ، عكس ما تقدم. ولنضرب لك أمثالا توضح دقائق هذين النوعين.
إذا أردت أن تخبر عن حاتم بالجود قلت : (جاد حاتم) إن كنت تخاطب خالى الذهن من هذا الخبر. وقلت : (حاتم جواد) إذا كنت تخاطب شاكا مترددا فيه. وقلت : (إن حاتما جواد) إذا كنت تخاطب منكرا غير مسرف فى إنكاره. وقلت : (والله إن حاتما لجواد) إذا كان مخاطبك مسرفا فى الإنكار. وقلت : (حاتم سخى جواد ، كريم معطاء) إذا كان المقام مقام مدح. وقلت : (ما جواد إلا حاتم) إذا كان مخاطبك يعتقد العكس وأن غير حاتم هو الجواد. وقلت (حاتم ممدود السماط. أو كان فى بنى طىء بحر كثير الفيضان) إذا كان مخاطبك على شىء من الذكاء. وقلت : (حاتم مهزول الفصيل. أو غمر حاتم بانعامه الأنام) إذا كان مخاطبك على جانب عظيم من الذكاء.
فأنت ترى أن هذه الأمثلة كلها دارت على معنى واحد استوت جميعها فى أدائه ، هو نسبة الجود إلى حاتم ، فذلك هو المعنى الأولى أو الأصلى. ثم أنت ترى بعد ذلك أن المعنى الأولى زيدت عليه خصوصيات مختلفة ، ومزايا متغايرة بتغاير هذه الأمثلة ، ففي المثال الأول تجرد من مؤكدات الحكم ، لأن المخاطب خالى الذهن. وفى الثانى تأكيد باسمية الجملة استحسانا ؛ لأن المخاطب شاك. وفى الثالث تأكيد بمؤكدين : اسمية الجملة وإن ، لأن المخاطب منكر إنكارا يقتضيهما. وفى الرابع تأكيد بمؤكدات أربعة ، اسمية الجملة. وإن واللام والقسم ، لأن المخاطب مسرف فى الانكار. وفى الخامس إطناب لأن المقام للمدح ، وهو يقتضى الاطناب. وفى السادس قصر للجود على حاتم ، لأن المخاطب يعتقد العكس ، فقصرت أنت قصر قلب لتعكس مراده عليه. وفى السابع تجوز فى التعبير بكناية قريبة واستعارة تصريحية ، لأن المخاطب على شىء من الذكاء. وفى الثامن تجوز فى التعبير بكناية بعيدة واستعارة مكنية ، لأن المخاطب على جانب عظيم من الذكاء ، بحيث تكفيه الإشارة الخفية واللمحة القصية.