٥ ـ ومنها أن المحكم هو السديد النظم والترتيب ، الذى يفضى إلى إثارة المعنى المستقيم من غير مناف. أما المتشابه فهو الذى لا يحيط العلم بمعناه المطلوب من حيث اللغة ، إلا أن تقترن به أمارة أو قرينة. ويندرج المشترك فى المتشابه بهذا المعنى. وهو منسوب إلى إمام الحرمين.
٦ ـ ومنها أن المحكم هو الواضح المعنى الذى لا يتطرق إليه إشكال مأخوذ من الإحكام وهو الإتقان. أما المتشابه فنقيضه. وينتظم المحكم على هذا ما كان نصا وما كان ظاهرا. وينتظم المتشابه ما كان من الأسماء المشتركة وما كان من الألفاظ الموهمة للتشبيه فى حقه سبحانه. وقد نسب هذا القول إلى بعض المتأخرين ، ولكنه فى الحقيقة رأى الطيبى إذ قال فيما حكى السيوطى عنه :
«المراد بالمحكم ما اتضح معناه ، والمتشابه بخلافه ، لأن اللفظ الذى يقبل معنى ، إما أن يحتمل غيره أولا. الثانى النص ، والأول إما أن تكون دلالته على ذلك الغير أرجح أولا. الأول الظاهر ؛ والثانى إما أن يكون مساويه أولا. الأول هو المجمل ، والثانى المؤول. فالمشترك بين النص والظاهر هو المحكم ، والمشترك بين المجمل والمؤول المتشابه.
ويؤيد هذا التقسيم أنه تعالى أوقع المحكم مقابلا للمتشابه. فالواجب أن يفسر المحكم بما يقابله ويعضد ذلك أسلوب الآية ، وهو الجمع مع التقسيم ، لأنه تعالى فرق ما جمع فى معنى الكتاب ، بأن قال : (مِنْهُ آياتٌ. مُحْكَماتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتابِ ، وَأُخَرُ مُتَشابِهاتٌ) وأراد أن يضيف إلى كل منهما ما شاء فقال أولا : (فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ) إلى أن قال : (وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ) وكان يمكن أن يقال : وأما الذين فى قلوبهم استقامة فيتبعون المحكم) لكنه وضع موضع ذلك (وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ) لإتيان لفظ الرسوخ ، لأنه لا يحصل إلا بعد التثبت العام والاجتهاد البليغ. فإذا استقام القلب على طريق الرشاد ورسخ القدم فى العلم ، أفصح صاحبه النطق بالقول الحق. وكفى بدعاء