أن تكون السنة ناسخة لبعض آخر ، فيكون الرسول مبينا لما ثبت من الأحكام ، وناسخا لما ارتفع منها.
(دليلهم الثانى) أن القرآن نفسه هو الذى أثبت أن السنة النبوية حجة ، فلو نسخته السنة لعادت على نفسها بالإبطال ، لأن النسخ رفع ، وإذا ارتفع الأصل ارتفع الفرع. والدليل على أن القرآن هو الذى أثبت حجية السنة ما نقرؤه فيه من مثل قوله سبحانه : (أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ).
وننقض هذا الاستدلال (أولا) بأن كلامنا ليس فى جواز نسخ السنة لنصوص القرآن الدالة على حجيتها حتى ترجع على نفسها بالإبطال ، بل هو فى جواز نسخ ما عدا ذلك مما يصح أن يتعلق به النسخ.
(ثانيا) أن ما استدلوا به حجة عليهم لأن وجوب طاعة الرسول واتباعه ، يقضى بوجوب قبول ما جاء به على أنه ناسخ.
(دليلهم الثالث) أن قوله تعالى : (قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِ) قد جاء ردا على من أنكروا النسخ وعابوا به الإسلام ونبى الإسلام بدليل قوله سبحانه قبل هذه الآية : (وَإِذا بَدَّلْنا آيَةً مَكانَ آيَةٍ وَاللهُ أَعْلَمُ بِما يُنَزِّلُ قالُوا إِنَّما أَنْتَ مُفْتَرٍ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ). ومعلوم أن روح القدس إنما ينزل بالقرآن. وإذن فلا ينسخ القرآن إلا بقرآن.
وننقض هذا الاستدلال بأن الكتاب والسنة كلاهما وحى من الله ، وكلاهما نزل به روح القدس ، بدليل قوله سبحانه (وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحى) فالذهاب إلى أن ما ينزل به روح القدس ، هو خصوص القرآن ، باطل.
(دليلهم الرابع) أن الله تعالى يقول : (وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ قالَ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنَا : ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هذا أَوْ بَدِّلْهُ. قُلْ : ما يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقاءِ نَفْسِي).
وهذا يفيد أن السنة لا تنسخ القرآن ، لأنها نابعة من نفس الرسول صلىاللهعليهوسلم.