وننقض هذا الاستدلال (أولا) بأن الآية لا تدل على انحصار وظيفة السنة فى البيان ؛ لأنها خالية من جميع طرق الحصر. وكل ما تدل عليه الآية هو أن سنة الرسول مبينة للقرآن ، وذلك لا ينفى أن تكون ناسخة له. ونظير هذه الآية قوله سبحانه (تَبارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقانَ عَلى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعالَمِينَ نَذِيراً) ، فإنه يفيد أنه صلىاللهعليهوسلم نذير للعالمين. ولا تنفى عنه أنه بشير أيضا للعالمين.
(ثانيا) أن وظيفة السنة لو انحصرت فى بيان القرآن ، ما صح أن تستقل بالتشريع من نحو إيجاب وتحريم ؛ مع أن إجماع الأمة قائم على أنها قد تستقل بذلك كتحريمه صلىاللهعليهوسلم كل ذى مخلب من الطيور وكل ذى ناب من السباع ، وكحظره أن يورث بقوله «نحن معاشر الأنبياء لا نورث ما تركناه صدقة».
(ثالثها) أن السنة نفسها نصت على أنها قد تستقل بالتشريع وإفادة الأحكام ، يحدثنا العرباض بن سارية رضى الله عنه أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قام فقال : «أيحسب أحدكم متكئا على أريكة يظن أن الله لم يحرم شيئا إلا ما فى هذا القرآن. ألا إنى قد أمرت ووعظت ونهيت عن أشياء إنها لمثل القرآن أو أكثر. وإن الله لم يحل لكم أن تدخلوا بيوت أهل الكتاب إلا بإذن ولا ضرب نسائهم ولا أكل ثمارهم إلا إذا أعطوكم الذى فرض عليهم».
(رابعا) أنه على فرض دلالة الآية على الحصر ، فالمراد بالبيان فيها التبليغ لا الشرح. ولقد بلغ الرسول كل ما أنزله الله إلى الناس ، وهذا لا ينافى أنه نسخ ما شاء الله نسخه بالسنة.
(خامسا) أنه على فرض دلالة الآية على الحصر ، ودلالة البيان على خصوص الشرح ، فإن المراد بما أنزل إلى الناس ، هو جنسه الصادق ببعضه ، وهذا لا ينافى