قال : وأمّا من فرّق بين المسرّ والمعلن ، فمنهم من قال : من أسرّ ردّته قتلناه دون استتابة ولم نقبل توبته. ومن أعلن ردّته قبلنا توبته.
ومنهم من قال : إن أقرّ المسرّ وصدق النيّة قبلنا توبته ، وإن لم يقرّ ولا صدق النيّة قتلناه ولم نقبل توبته. وأمّا المعلن فتقبل توبته.
وقالت طائفة : لا فرق بين المسرّ والمعلن في شيء من ذلك ، فمنهم من قبل توبتهما معا أقرّ المسرّ أو لم يقرّ ، ومنهم من قال : لم تقبل توبة مسرّ ولا معلن.
قال ابن حزم : واختلفوا أيضا في الكافر الذمّيّ أو الحربيّ يبدّل دينه من كفر إلى كفر ، فقالت طائفة : يترك على ذلك. وقالت طائفة : لا يترك. فمنهم من قال : إن رجع الذمّيّ إلى دينه الأوّل ترك وإلّا قتل. ومنهم من قال : لا يقبل منه شيء غير الإسلام ، وإلّا قتل ، ولا يترك على الدين الّذي خرج إليه ، ولا يترك أيضا أن يرجع إلى الّذي خرج عنه. لكن إن أسلم ترك وإلّا قتل (١).
ثمّ أخذ في بيان المستندات ، وذكر روايات أكثرها متناقضة أو ضعاف الإسناد ، وناقشها على أسلوبه مناقشة فنّيّة وفي إسهاب (٢). ولعلّه من أوسع من تكلّم في هذا المجال ، ولكن من غير أن ينتهي إلى محصّل ملموس.
ومن ظريف ما ذكر في المقام : أنّ القائل بالاستتابة مرّة ، استند إلى عموم قوله تعالى : (ادْعُ إِلى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ)(٣). وقوله تعالى : (وَافْعَلُوا الْخَيْرَ)(٤). وقوله : (وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ)(٥). فكانت الاستتابة فعل خير ودعاء إلى سبيل ربّنا بالحكمة والموعظة الحسنة ، ودعاء إلى الخير وأمرا بالمعروف ونهيا عن المنكر ، فكان واجبا ، وكان فاعله مصلحا.
[٢ / ٦٢٤٥] وقد صحّ عن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم أنّه قال لعليّ عليهالسلام : «لأن يهدي الله بهداك رجلا واحدا خير لك من حمر النعم». وهذا لا ينبغي أن يزهد فيه (٦).
غير أنّ هذا الدليل حجّة لجواز الاستتابة حيث ترجى حتّى تظهر أمارات اليأس ولا يخصّ
__________________
(١) المحلّى لابن حزم ١١ : ١٨٨ ـ ١٨٩ المسألة ٢١٩٥.
(٢) المصدر : ١٨٩ ـ ١٩٧.
(٣) النحل ١٦ : ١٢٥.
(٤) الحجّ ٢٢ : ٧٧.
(٥) آل عمران ٣ : ١٠٤.
(٦) المحلّى ١١ : ١٩٢.