قال تعالى :
(هَلْ يَنْظُرُونَ إِلاَّ أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمامِ وَالْمَلائِكَةُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ وَإِلَى اللهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ (٢١٠) سَلْ بَنِي إِسْرائِيلَ كَمْ آتَيْناهُمْ مِنْ آيَةٍ بَيِّنَةٍ وَمَنْ يُبَدِّلْ نِعْمَةَ اللهِ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُ فَإِنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقابِ (٢١١) زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا الْحَياةُ الدُّنْيا وَيَسْخَرُونَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ اتَّقَوْا فَوْقَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَاللهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ (٢١٢))
وهنا يتّخذ السياق أسلوبا جديدا في التحذير من عاقبة الانحراف عن منهج السلم وعن طريق السّلام ، اتّباعا لخطوات الشيطان. فيتحدّث بصيغة الغيبة ـ لغرض إفادة الشمول ـ بدلا من صيغة الخطاب ، والّتي كانت تبدو بمظاهرها خاصّة بأهل الزلل والزيغ من أهل النفاق والشرك المواجهين للخطاب.
والسؤال في الآية سؤال استنكار : ماذا دهمهم فظلّوا حيارى في أمرهم ، لا إلى السلم يجنحون ولا على الكفاح والمنابذة يجترءون ، كأنّهم ينتظرون العاقبة. ألا وهي قريبة ولا تسمح الهروب عنها ، بعد أن قضي الأمر.
إذن فما الّذي قعد بهم عن الاستجابة؟ ماذا ينتظرون؟ وماذا يرتقبون؟ تراهم سيظلّون هكذا في موقفهم متأرجحين ، حتّى يأتيهم أمر الله وقضاؤه ، في حلكة من ظلام الوحشة والبؤس لهم وتعمل فيهم المقدّرات الكائنة لا محالة.
وبتعبير آخر : هل ينتظرون ويتلكّأون حتّى يأتيهم اليوم الرعيب الموعود ، ولات ساعة مندم. إذ قضى الأمر وانتهت فسحة الانتظار ، وأفلتت الفرصة ، وعزّت النجاة ، ووقفوا وجها لوجه تقدير الله وقضائه الكائن ، ولا مهرب إلّا إليه. (وَإِلَى اللهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ) كلّها ، ولا عاصم ذلك اليوم من أمر الله.
قال سيّد قطب : إنّها طريقة القرآن العجيبة ، الّتي تفرّده وتميّزه من سائر القول. الطريقة الّتي تحيّر المشهد وتستحضره في التوّ واللحظة ، وتقف القلوب إزاءه وقفة من يرى ويسمع ويعاني ما فيه!