من جهد لبلوغ السعادة في الدارين. فلن يفوت أحدا جهده ولا يضيع شيء من مساعيه.
الدنيا رحاب الآخرة
نعم ، الإسلام لا يريد من المؤمنين أن يدعوا أمر الدنيا ، فهم خلقوا للخلافة فيها (١) ولعمارة الأرض (٢). ولكنّه تعالى يريد منهم أن يتّجهوا إلى الله في جميع شؤونهم الدنيويّة والأخرويّة ، وأن لا يضيّقوا من آفاقهم ، فيجعلوا من الدنيا سورا يحصرهم فيها. إنّه يريد أن يطلق الإنسان في أسوار هذه الأرض الصغيرة ، فيعمل فيها ، وهو أكبر منها وأرقى. ويزاول الخلافة وهو متّصل بالأفق الأعلى.
ومن ثمّ تبدو الاهتمامات القاصرة على هذه الأرض ، ضئيلة هزيلة ، حين ينظر إليها الإنسان من قمّة التصوّر الإسلاميّ الشامخة.
[٢ / ٥٥٨١] قال الإمام أبو الحسن موسى بن جعفر عليهالسلام : «اجتهدوا في أن يكون زمانكم أربع ساعات (٣) : ساعة لمناجاة الله. وساعة لأمر المعاش. وساعة لمعاشرة الإخوان الثقات والّذين يعرّفونكم عيوبكم ويخلصون لكم في الباطن. وساعة تخلون فيها للذّاتكم في غير محرّم. وبهذه الساعة تقدرون على الثلاث ساعات».
قال : «اجعلوا لأنفسكم حظّا من الدنيا ، بإعطائها ما تشتهي من الحلال ، وما لا يثلم المروّة ، وما لا سرف فيه». قال : «واستعينوا بذلك على أمور الدين».
ثمّ قال : «فإنّه نروي (٤) : ليس منّا من ترك دنياه لدينه أو ترك دينه لدنياه» (٥).
وقال : «من سلّط ثلاثا على ثلاث ، فكأنّما أعان هواه على هدم عقله : من أظلم نور فكره بطول أمله. ومحى طرائف حكمته بفضول كلامه. وأطفأ نور عبرته بشهوات نفسه ، فكأنّما أعان
__________________
(١) البقرة ٢ : ٣٠.
(٢) (هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيها) (هود ١١ : ٦١).
(٣) أي قسّموا أوقاتكم إلى أربع ، فقسط للعبادة. وقسط لكسب المعاش. وقسط لمعاشرة الإخوان. وقسط للذّات الحياة. وليس المراد مساواة الأقساط ، بل مجرّد أن يجعل لكلّ شأن من شؤونه فراغا يخصّه.
(٤) أي نروي عن آبائنا عليهمالسلام.
(٥) تحف العقول : ٤٠٩ ـ ٤١٠ ؛ البحار ٧٥ : ٣٢١ / ١٨. وقابلناه مع فقه الرضا.