قال تعالى :
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (٢٠٨) فَإِنْ زَلَلْتُمْ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْكُمُ الْبَيِّناتُ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (٢٠٩))
وفي ظلال هاتين اللوحتين ـ اللتين عرضهما القرآن ـ لنموذج الإيمان الخالص ونموذج النفاق الفاجر ، يهتف بالجماعة المسلمة ، باسم الإيمان الّذي تعرف به ، للدخول في السلم كافّة ، فيستسلموا ذلك الاستسلام الّذي لا تبقى بعده بقيّة ناشزة ، من تصوّر أو شعور ، ومن نيّة أو عمل ، ومن رغبة أو رهبة ، لا تخضع لله ولا ترضخ لحكمه وقضائه ، استسلام الطاعة الواثقة المطمئنّة الراضية.
والمسلم حينما يستجيب هذه الاستجابة ، يدخل في عالم كلّه سلم وكلّه سلام ، عالم كلّه ثقة واطمئنان ، وكلّه رضى واستقرار ، لا حيرة ولا قلق ، ولا شرود ولا ضلال. سلام مع النفس والضمير ، سلام مع العقل والمنطق ، سلام مع الناس والأحياء ، سلام مع الوجود كلّه ومع كلّ موجود ، سلام يرفّ في حنايا السرائر ، وسلام يظلّل الحياة والمجتمع ، سلام في الأرض وسلام في السماء.
قال سيّد قطب :
«وأوّل ما يفيض هذا السّلام على القلب ، يفيض من صحّة تصوّره لله ربّه ، ونصاعة هذا التصوّر وبساطته ، إنّه إله واحد. يتّجه إليه المسلم وجهة واحدة يستقرّ عليها قلبه ؛ فلا تتفرّق به السّبل ، ولا تتعدّد به القبل ؛ ولا يطارده إله من هنا وإله من هناك ـ كما كان في الوثنيّة والجاهليّة ـ إنّما هو إله واحد يتّجه إليه في ثقة وفي طمأنينة وفي نصاعة وفي وضوح.
وهو إله قويّ قادر عزيز قاهر. فإذا اتّجه إليه المسلم فقد اتّجه إلى القوّة الحقّة الوحيدة في هذا الوجود. وقد أمن كلّ قوّة زائفة واطمأنّ واستراح. ولم يعد يخاف أحدا أو يخاف شيئا ، وهو يعبد الله القويّ القادر العزيز القاهر. ولم يعد يخشى فوت شيء. ولا يطمع في غير من يقدر على الحرمان والعطاء.