فإلى متى يتخلّف المتخلّفون عن الدخول في السلم ، وهذا الفزع الأكبر ينتظرهم؟ بل هذا الفزع الأكبر يدهمهم! والسلم قريبة منهم ؛ السلم في الدنيا والسلم في الآخرة : (وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّماءُ بِالْغَمامِ وَنُزِّلَ الْمَلائِكَةُ تَنْزِيلاً)(١). (يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلائِكَةُ صَفًّا لا يَتَكَلَّمُونَ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمنُ وَقالَ صَواباً)(٢). يوم يقضى الأمر. وقد قضي الأمر! (وَإِلَى اللهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ)(٣).
وقفة حاسمة
هنا ، في هذه الآية الكريمة لفتة نظر : كيف يأتي الله في ظلل من الغمام؟
تعبيران ، أحدهما أكثر إبهاما من الآخر.
أوّلا : ما هو المقصود من إتيانه تعالى ، لو أريد به الحركة والانتقال من مكان إلى مكان؟!
وثانيا ـ وهو الأصعب فهما ـ : كيف يظلّه الغمام ، ولازمه التحيّز وأن تحيط به أظلّة غمام ، بعد أن كان تعالى هو محيطا بكلّ شيء؟!
قال ابن عاشور : وقوله تعالى : (فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمامِ) أشدّ إشكالا من إسناد الإتيان إلى الله تعالى ، لاقتضائه الظرفيّة ، وهي مستحيلة عليه تعالى؟! (٤)
***
غير أنّ الآية لمّا كانت في سياق التهديد والوعيد ، كان مساقها مساق قوله تعالى : (فَأَتاهُمُ اللهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا)(٥). وقوله : (فَأَتَى اللهُ بُنْيانَهُمْ مِنَ الْقَواعِدِ)(٦). فإتيان الله إتيان أمره وبأسه ، كقوله تعالى : (هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ أَمْرُ رَبِّكَ)(٧). وقوله : (أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنا بَياتاً وَهُمْ نائِمُونَ. أَوَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ)(٨) فإتيان الشيء كناية عن سهولة عمله بلا كلفة ولا حجاز مانع. فقوله تعالى : (قَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَأَتَى اللهُ
__________________
(١) الفرقان ٢٥ : ٢٥.
(٢) النبأ ٧٨ : ٣٨.
(٣) في ظلال القرآن ١ : ٣٠٧.
(٤) التحرير والتنوير ٢ : ٢٦٩.
(٥) الحشر ٥٩ : ٢.
(٦) النحل ١٦ : ٢٦.
(٧) النحل ١٦ : ٣٣.
(٨) الأعراف ٧ : ٩٧ ـ ٩٨.