قال تعالى :
(وَإِذا سَأَلَكَ عِبادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذا دَعانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ (١٨٦))
هنا وقبل أن يمضى السياق في بيان أحكام الصيام التفصيليّة ، وبعد أن أجمل البيان عن إيجاب الصوم والترغيب فيه ، نجد لفتة عجيبة إلى أعماق النفس وخفايا السريرة ، بل وإجابة لنداء الفطرة الضارعة تجاه ربّها الكريم ، والخاضعة لدى ساحة قدسه المجيد. إجابة في ألفاظ وتعابير رقيقة شفّافة تكاد تنير وتروي الغليل.
نعم لا يكاد هذا الإنسان الّذي خلق ضعيفا ، أن يترقّب من ربّه الكريم الجليل ، سوى هذه العناية والعطف والحنان.
(وَإِذا سَأَلَكَ) خطاب للنبي صلىاللهعليهوآلهوسلم حيث الوسيلة الناجعة بينه تعالى وبين عباده المؤمنين (١)(عِبادِي عَنِّي) تعبير رقيق للغاية. إنّهم عباده وقد استنشدوه؟!
(فَإِنِّي قَرِيبٌ) تعبير أرقّ ، أيّة رقّة وأيّ انعطاف وأيّ إيناس ، أرقّ وأعطف وآنس من هذا التعبير الّذي ملؤه العطوفة والحنان ، نعم إنّه تعالى أقرب إلى هذا الإنسان الكادّ الجادّ الملحّ ، أقرب إليه من حبل وريده : (وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ)(٢).
والله تعالى حيث كان قريبا من عباده ، فليس من الصعوبة النيل لديه واللجوء إليه في كلّ حوائج العباد. بل بمجرّد أن توجّه إلى ربّه ، يجد الإجابة السريعة في رحمة وعناية بالغة :
(أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذا دَعانِ) إنّها آية عجيبة ، آية تسكب في قلب المؤمن النداوة الحلوة ، والودّ المؤنس ، والرضى المطمئنّ ، والثقة واليقين. بل ويخلق في نفسه الأمن والراحة والرجاء الدائم ، دون اليأس والقنوط.
__________________
(١) (وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جاؤُكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللهَ تَوَّاباً رَحِيماً) (نساء ٤ : ٦٤).
(٢) سورة ق ٥٠ : ١٦.