صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) ، بحيث لا ينحرفون ولا ينجرفون عبر الأبد!
نظرة في مختلف الآراء حول الآية
اختلف المفسّرون في تفسير الآية ، ماذا يكون المراد من هذا التوحّد الجماعي في سابق حياة الإنسان ، هل كانوا اجتمعوا على هداية شاملة أم على ضلال مطبق. وممّ حدث اختلافهم فيما بعد ، حتّى دعت الحاجة إلى تشريع دعوة الجمع والائتلاف من جديد؟
ذهب أكثر المحقّقين إلى أنّ الناس في عهدهم الأوّل كانوا على سذاجة من العيش وعلى بساطة من الحياة الاجتماعيّة يومذاك ، يعيشون وفق فطرتهم الأولى ، سليمة ومتآلفة ، وفي تعاضد وتكافل جماعيّ هنيء. حيث قلّة الجماعة ووفرة وسائل المعيشة على وجه البسيطة. فلا موجب للتنازع والتكالب على معايش الحياة.
لكن بعد أن تعقّدت الحياة وتنوّعت المآرب وأخذت تزدحم المطامع والرغبات ، فعند ذلك جعلت حسكة الشقاق والافتراق تأخذ مساربها في الوجود ، وتنمو وتغلظ جذورها في الأعماق.
الأمر الّذي دعا بساحة لطفه تعالى أن يعود عليهم بالإشفاق والإرفاق ، لتشملهم عنايته الخاصّة ، بإيقافهم على معالم السعادة في الحياة ، وليأخذوا طريقهم من جديد إلى مناهج السلم والسّلام.
فتقدير الآية : أنّ الناس كانوا في عهدهم الأوّل عائشين في وحدة متكافلة ، وفي ظلّ فطرتهم الأولى سالمين غانمين ، ثمّ اختلفوا ، على أثر التوسّع في الحياة وتعقّد مآربها. ومن ثمّ وقعت الحاجة إلى إمدادهم من الغيب ، لغرض أوبتهم إلى فطرتهم الأولى من جديد.
ويتأيّد هذا التقدير بالتصريح به في آية أخري : (وَما كانَ النَّاسُ إِلَّا أُمَّةً واحِدَةً فَاخْتَلَفُوا)(١).
قال الإمام الرازي : وهذا يقتضي أنّ الأنبياء عليهمالسلام إنّما بعثوا حين الاختلاف. وكانت الآية الثانية شاهدة عليه. كما يتأكّد ذلك بقراءة ابن مسعود ـ وأكثرها لغرض التفسير والتبيين ـ : (كانَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً فَبَعَثَ اللهُ النَّبِيِّينَ) ـ إلى قوله ـ (لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ)(٢). فكانت زيادة (فَاخْتَلَفُوا) لبيان أنّ البعث وقع بعد الاختلاف.
__________________
(١) يونس ١٠ : ١٩.
(٢) التفسير الكبير ٦ : ١١.