الإنسان إلى حياة أرفع ورضوان من الله أكبر.
وقد عقد أبو جعفر الكليني بابا في الكافي ، جمع فيه أصحّ الآثار في طلب الرزق والمعايش وترغيب الجدّ فيها لبلوغ الإرب وحسن التمتّع بها ، ولاتّخاذها وسيلة للإحسان والفضيلة وكسب المكرمات ، ومنها الحفاظ على عزّة النفس وصونها عن الابتذال.
وإليك منها نبذا :
الجدّ في كسب المعايش عبادة
[٢ / ٥٦٠٨] روى بالإسناد إلى عبد الرحمان بن الحجّاج ، عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : «إنّ محمّد بن المنكدر (١) كان يقول : ما كنت أرى أنّ عليّ بن الحسين يدع خلفا أفضل منه ، حتّى رأيت ابنه محمّد بن عليّ ، فأردت أن أعظه فوعظني ، فقال له أصحابه : بأيّ شيء وعظك؟ قال : خرجت إلى بعض نواحي المدينة في ساعة حارّة ، فلقيني أبو جعفر محمّد بن عليّ وكان رجلا بادنا ثقيلا وهو متّكئ على غلامين أسودين أو موليين ، فقلت في نفسي : سبحان الله ، شيخ من أشياخ قريش ، في هذه الساعة ، على هذه الحال ، في طلب الدنيا! أما لأعظنّه ، فدنوت منه فسلّمت عليه فردّ عليّ السّلام ببهر (٢) وهو يتصابّ عرقا. فقلت : أصلحك الله ، شيخ من أشياخ قريش ، في هذه الساعة ، على هذه الحال ، في طلب الدنيا! أرأيت لو جاء أجلك وأنت على هذه الحال ما كنت تصنع؟ فقال : لو جاءني الموت وأنا على هذه الحال جاءني وأنا في طاعة من طاعة الله ـ عزوجل ـ أكفّ بها نفسي وعيالي عنك وعن الناس ، وإنّما كنت أخاف أن لو جاءني الموت وأنا على معصية من معاصي الله! فقلت : صدقت يرحمك الله ، أردت أن أعظك فوعظتني!».
[٢ / ٥٦٠٩] وروى بالإسناد إلى الفضل بن أبي قرّة ، عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : «كان أمير المؤمنين
__________________
(١) كان من كبار التابعين ، ظاهر الصلاح. قال ابن عيينة : كان من معادن الصدق ، ويجتمع إليه الصالحون. وكان مقبول الكلام محبوبا لدى العامّة. قال ابن حبّان : كان من سادات القرّاء. وقال يعقوب بن شيبة : صحيح الحديث جدّا. وقال إبراهيم بن المنذر : غاية في الحفظ والإتقان والزهد حجّة. قال الكشّي : كان له ميل ومحبّة شديدة لأهل البيت عليهمالسلام. (قاموس الرجال ٩ : ٦٠٨ / ٧٣٠٤). (تهذيب التهذيب ٩ : ٤٧٤ ـ ٤٧٥ / ٧٦٧).
(٢) بالباء الموحّدة المضمومة وهو تتابع النفس يعتري الإنسان عند السعي الشديد والعدو.