ظهورها ، وهو استطراد دعا إليه استعداد النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم لعمرة القضاء سنة ستّ (١) ، وتوقّع المسلمين غدر المشركين بالعهد ، وهو قتال متوقّع لقصد الدفاع ، لقوله : (الَّذِينَ يُقاتِلُونَكُمْ) ؛ فكان إذنا للقتال مع من قاتلهم ، وليس إذنا في مبادأة القتال. وسوف ننبّه أن لا قتال ابتدائيّا في شريعة الإسلام ، وإنّما هو دفاع محض ، لغرض هدم السدود الّتي يضربها العدوّ ، دون نشر الدعوة ، وقد خاب ظنّهم وخسر هنالك المبطلون.
مشروعيّة القتال دفاعا عن الحقّ
إذ من حقّ البشريّة أن تبلغ إليها الدعوة وأن لا تقف عقبة أو سلطة في وجه التبليغ بأيّ حال من الأحوال. كما أنّ من حقّ البشريّة كذلك أن يترك الناس بعد وصول الدعوة إليهم أحرارا في اعتناق الدين ، لا تصدّهم عن اعتناقه عقبة أو سلطة.
وعليه فإذا أبى فريق من الناس أن يعتنقه بعد البيان ، لم يكن له أن يصدّ الدعوة عن المضيّ في طريقها ، وكان عليه أن يعطي من العهود ما يكفل لها الحرّيّة والاطمئنان ، وما يضمن للجماعة المسلمة المضيّ في طريق الدعوة بلا عدوان.
فإذا اعتنقها من هداهم الله إليها ، كان من حقّهم أن لا يفتنوا عنها بأيّ وسيلة من وسائل الفتنة ، لا بأذى ولا بإغراء ولا بإقامة أوضاع من شأنها صدّ الناس عن الهدى وتعويقهم عن الاستجابة.
فكان من واجب الجماعة المسلمة أن تدفع عنهم بالقوّة من يتعرّض لهم بالأذى والفتنة ، ضمانا لحرّيّة العقيدة ، وكفالة لأمن الّذين هداهم الله ، وإقرارا لمنهج الله في الحياة ، وحماية للبشريّة من الحرمان من ذلك الخير العام.
__________________
(١) الثعلبي ٢ : ٨٨. عن ابن عبّاس قال : نزلت هذه الآية في صلح الحديبيّة وذلك أنّ رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم خرج مع أصحابه للعمرة وكانوا ألفا وأربعمائة ، فساروا حتّى نزلوا الحديبيّة فصدّهم المشركون عن البيت الحرام ، فصالحهم على أن يرجع عامه ذلك على أن يخلوا له مكّة عام قابل ثلاثة أيّام ، فيطوف بالبيت. فلمّا كان العام المقبل تجهّز رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم وأصحابه لعمرة القضاء ، وخافوا أن لا تفي قريش بما قالوا ، وأن يصدّوهم عن البيت الحرام ، وكره أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم قتالهم في الشهر الحرام وفي الحرم ، فأنزل الله تعالى : وَقاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ يعني محرمين الَّذِينَ يُقاتِلُونَكُمْ يعني قريشا وَلا تَعْتَدُوا ولا تظلموا فتبدأوا في الحرم بالقتال محرمين (إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ).