قال تعالى :
(كانَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً فَبَعَثَ اللهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلاَّ الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّناتُ بَغْياً بَيْنَهُمْ فَهَدَى اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللهُ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (٢١٣))
وبعد أن ذكر القيم والموازين الّتي ترفع أو تضع من شأن بني الإنسان ، حسب تصوّراتهم وتصرّفاتهم في الحياة ينتقل السياق إلى قصّة الاختلاف بين الناس في التصوّرات والعقائد ، والموازين والقيم ، وينتهي بتقرير الأصل الّذي ينبغي أن يرجع إليه المختلفون ، وإلى الميزان الأخير الّذي يحكم فيما هم فيه مختلفون :
(كانَ النَّاسُ) في عهدهم الأوّل ، ولعلّه إشارة إلى حالة المجموعة البشريّة الأولى الصغيرة ، من أسرة آدم وحوّاء وذراريهم ، وقد كانت متطلّبات حياتهم آنذاك على بساطتها الأولى ، محدودة وفي قناعة ذاتيّة لا تستدعي تجاوزا ولا تناحرا ولا تكاثرا في المتطلّبات.
فالبشريّة الآن ـ على توسّع نطاقها وانتشارها في الأرض ـ إنّما هي منحدرة عن أصل واحد ، وعن نتاج أسرة واحدة متكاتفة ، وهادئة إلى حدّ بعيد. فلتنظر الآن إلى سابق حياتها الأولى ، ولتعتبر بتلك الحياة السعيدة الهانئة. ولتنتهي عن هذا الاختلاف الفاحش المهدّد لسلامة الحياة وسعادتها المنشودة.
نعم ، كان الناس أمّة واحدة هادئة مطمئنّة ، ولكن في مجموعة صغيرة وفي نطاق محدود ، حتّى نمّت وتوسّعت وأخذت في التكثّر والتفرّق ، كما أخذت في التطوّر والازدهار ، ببروز الاستعدادات الكامنة في وجودها ، والّتي فطرهم الله عليها ، لحكمة يعلمها ، ويعلم ما وراءها من خير للحياة ، في التنوّع في الاستعدادات والطاقات والاتّجاهات.
وعندئذ اختلفت التصوّرات وتباينت وجهات النظر ، وتنوّعت المعتقدات وتعدّدت المناهج ، بطبيعة الحال.