قال تعالى :
(يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَواقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِها وَلكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقى وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوابِها وَاتَّقُوا اللهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (١٨٩))
وهنا ظاهرة في هذه الآية تطالعنا في صورة مواقف يسأل فيها المسلمون نبيّهم صلىاللهعليهوآلهوسلم عن شؤون شتّى ، هي الشؤون الّتي تصادفهم في حياتهم ، ويريدون أن يعرفوا كيف يسلكون فيها وفق تصوّرهم الجديد ، ووفق نظامهم الجديد. وعن الظواهر الّتي تلفت حسّهم الّذي استيقظ تجاه الكون الّذي يعيشون فيه. وأسئلة أخرى في موضوعات متنوّعة جاءت في مواضع من القرآن.
قال سيّد قطب : وهي إن دلّت فإنّما تدلّ على تفتّح وحيويّة ونموّ في صور الحياة وعلاقاتها ، وبروز أوضاع جديدة في المجتمع الّذي جعل يأخذ شخصيّته الخاصّة ، ويتعلّق به الأفراد تعلّقا وثيقا ، فلم يعودوا أولئك الأفراد المبعثرين ، ولا تلك القبائل المتناثرة. إنّما عادوا أمّة لها كيان ، ولها نظام ، ولها وضع يشدّ الجميع إليه ، ويهمّ كلّ فرد فيه أن يعرف خطوطه وارتباطاته. وهي حالة جديدة أنشأها الإسلام بتصوّره ونظامه وقيادته على السّواء ، حالة نموّ اجتماعيّ وفكريّ وشعوريّ وإنسانيّ بوجه عام.
ومن جهة أخرى هي دليل على يقظة الحسّ الدينيّ ، وتغلغل العقيدة الجديدة وسيطرتها على النفوس ، ممّا يجعل كلّ واحد يتحرّج أن يأتي أمرا في حياته اليوميّة قبل أن يستوثق من رأي العقيدة الجديدة فيه ، فلم تعد لهم مقرّرات سابقة في الحياة يرجعون إليها ، وقد انخلعت قلوبهم من كلّ مألوفاتهم في الجاهليّة ، وفقدوا ثقتهم بها ، ووقفوا ينتظرون التعليمات الجديدة في كلّ أمر من أمور الحياة.
وهذه الحالة الشعوريّة هي الحالة الّتي ينشئها الإيمان الحقّ. عندئذ تتجرّد النفس من كلّ مقرّراتها السابقة وكلّ مألوفاتها ، وتقف موقف الحذر من كلّ ما كانت تأتيه في جاهليّتها ، وتقوم على قدم الاستعداد لتلقّي كلّ توجيه من العقيدة الجديدة ، لتصوغ حياتها الجديدة على أساسها ، مبرأة من كلّ شائبة. فإذا تلقّت من العقيدة الجديدة توجيها يقرّ بعض جزئيّات من مألوفها القديم ،