حرمتها والأخذ بقداستها. نعم (حَتَّى يُقاتِلُوكُمْ فِيهِ). حيث لا ينبغي المداهنة مع المعتدي الهاتك لحرمات الله. ليستغلّوها فرصة لضرب المؤمنين ، فيما حسبوا منهم عدم المقابلة حينذاك.
ومن ثمّ فقد حلّ التقاصّ والمقابلة بالمثل : (فَإِنْ قاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ) لحينهم من غير إمهال. (كَذلِكَ) أي مقابلة اللّدّة بالشّدّة (جَزاءُ الْكافِرِينَ) جزاء متناسبا مع صنيعهم اللئيم.
أمّا (فَإِنِ انْتَهَوْا) وارعووا (فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ).
والانتهاء الّذي يستأهل غفران الله ورحمته ، هو الانتهاء عن لدد الكفر والشقاق ، لا مجرّد الانتهاء عن قتال المسلمين أو فتنتهم عن الدين على حين فترة. فالانتهاء عن ذلك قصاراه أن يهادنهم المسلمون في فترة محدودة ، ولكنّه لا يؤهّل لمغفرة الله ورضوانه. فالتلويح بالمغفرة والرحمة هنا يقصد به إطماع الكفّار في الدين ، وإعادة النظر في صنيعهم هذا اللدود. وليرعووا عن الجهل إلى الرشاد ، علّهم ينالوا المغفرة والرضوان ، بعد ذاك التمادي في الكفر والعدوان.
***
ثمّ أخذ ـ سبحانه ـ في بيان السرّ لهذه المقابلة والمناجزة ضدّ الكفر والشقاق. وأنّ الجماعة المسلمة مكلّفة أن تظلّ تجاهد وتكافح حتّى تقضي على هذه القوى المعتدية والظالمة ، قضاء على جذورها في الأعماق.
(وَقاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ). وكرّر إلقاء الضوء على جانب رحمة الإسلام وعطفه الشفيق على بني الإنسان ، مهما أخذوا في العتوّ والنفور.
قوله تعالى : (وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ)
[٢ / ٥٢٩١] أخرج أحمد والثعلبي عن سليم بن عامر ، قال : سمعت المقداد بن الأسود يقول : سمعت رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم يقول : «لا يبقى على ظهر الأرض بيت مدر ولا وبر إلّا أدخله الله كلمة الإسلام ، بعزّ عزيز أو ذلّ ذليل ؛ إمّا يعزّهم الله ـ عزوجل ـ فيجعلهم من أهلها فيعزوا به ، وإمّا يذلّهم فيدينون لها» (١).
__________________
(١) مسند أحمد ٦ : ٤ ؛ الثعلبي ٢ : ٨٩ / ٦٩ ؛ كنز العمّال ١ : ٩٨ / ٤٣٧ ؛ أبو الفتوح ٣ : ٧٤ ـ ٧٥ ؛ مجمع الزوائد ٦ : ١٤ ، قال الهيثمي : ورجال الطبراني رجال الصحيح.