قال تعالى :
(وَقاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ الَّذِينَ يُقاتِلُونَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (١٩٠) وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُمْ مِنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ وَلا تُقاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ حَتَّى يُقاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِنْ قاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ كَذلِكَ جَزاءُ الْكافِرِينَ (١٩١) فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (١٩٢) وَقاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَلا عُدْوانَ إِلاَّ عَلَى الظَّالِمِينَ (١٩٣) الشَّهْرُ الْحَرامُ بِالشَّهْرِ الْحَرامِ وَالْحُرُماتُ قِصاصٌ فَمَنِ اعْتَدى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدى عَلَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ (١٩٤))
ورد في بعض الروايات أنّ هذه الآيات هي أوّل ما نزل في القتال (١) ، وكان قد نزل قبلها الإذن من الله للمؤمنين بأن يقاتلوا من ظلمهم : (أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللهَ عَلى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ. الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ ...)(٢). وأحسّ المسلمون بأنّ هذا الإذن هو مقدّمة لفرض الجهاد ، لغرض التمكين لهم في الأرض. ومن ثمّ كانوا يعرفون لم أذن لهم : بأنّهم ظلموا. وأعطيت لهم حقّ الانتصاف من هذا الظلم ، بعد أن كانوا مكفوفين عن دفعه وهم في مكّة ، وقد قيل لهم : (كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ)(٣).
فقد كان يراد من وراء ذلك تطويع نفوس المؤمنين للصبر والأناة ، امتثالا للأمر وخضوعا للقيادة الحكيمة وانتظارا للإذن. وقد آن أوانه فليستعدّوا وليأخذوا أهبّتهم للدفاع مثلا بمثل. وأن لا يتجاوزوا ولا يعتدوا.
وآية القتال هذه نزلت بالمناسبة مع آية الإهلال بالحجّ وأن ليس البرّ بأن تأتوا البيوت من
__________________
(١) ابن أبي حاتم ١ : ٣٢٥ / ١٧١٩ ، عن أبي العالية قال : هذه أوّل آية نزلت في القتال ، بالمدينة. فلمّا نزلت كان رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم يقاتل من قاتله ، ويكفّ عمّن كفّ عنه ، حتّى نزلت سورة براءة.
(٢) الحجّ ٢٢ : ٣٩.
(٣) النساء ٤ : ٧٧.