بالآباء ، وبمآثرهم ، ويبالغون فيه» (١).
هذا فيما لو كانت الإشارة في (أُولئِكَ) إلى خصوص الفئة الثانية ، أمّا لو أرجعناها إلى كلتا الطائفتين ، كان المعنى : إنّ لكلّ نصيبه حسبما يبتغيه ، إن دنيا وإن آخرة ، نظير قوله تعالى : (مَنْ كانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَنْ كانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيا نُؤْتِهِ مِنْها وَما لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ)(٢).
بل وحتّى المؤمن إذا كان همّه الدنيا كانت هي نصيبه من حظّ الحياة ، ولا حظّ له في الآخرة ، ذلك الحظّ الأوفر. حيث قصور نظره وابتذال همّته.
[٢ / ٦٢١٦] كما روي في قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللهِ وَأَيْمانِهِمْ ثَمَناً قَلِيلاً أُولئِكَ لا خَلاقَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ)(٣) : «إنّها نزلت فيمن أخذ مالا بيمين فاجرة» (٤).
فهؤلاء ، وإن كانوا مؤمنين بحسب الظاهر ، لكنّهم في واقع باطنهم لا طمع لهم في الآخرة.
[٢ / ٦٢١٧] وكما روي عن النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم : «إنّ الله يؤيّد هذا الدين بأقوام لا خلاق لهم» (٥). يعني المجاهدين في سبيله لأطماع دنيويّة لا عقيدة لهم راسخة ، وربما كانوا متظاهرين بالإسلام.
[٢ / ٦٢١٨] وكما روي ـ أيضا ـ أنّه صلىاللهعليهوآلهوسلم قال : «من لبس الحرير في الدنيا فلا خلاق له في الآخرة» (٦). يعني ذلك الحظّ الأوفر الّذي يناله المؤمن المعتقد المحافظ.
وعليه فقوله : (أُولئِكَ لَهُمْ نَصِيبٌ) أي النصيب الأوفر التامّ. وأمّا غيرهم من المؤمنين القاصري النظر فإنّ نصيبهم من الآخرة قليل.
***
٢ ـ وقال تعالى : (لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَساؤُا بِما عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى. الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَواحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ إِنَّ رَبَّكَ واسِعُ الْمَغْفِرَةِ)(٧).
ولعلّ متشبّثا يتشبّث بالتقييد الّذي جاء في الآية الكريمة : (الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ ...) قيدا لقوله :
__________________
(١) التبيان ٢ : ١٧٠ ؛ مجمع البيان ٢ : ٥٠ ؛ الصافي ١ : ٣٦٤ ؛ والعيّاشيّ ١ : ١١٧ / ٢٧١.
(٢) الشورى ٤٢ : ٢٠.
(٣) آل عمران ٣ : ٧٧.
(٤) البرهان ٢ : ٥٧ / ٣ ؛ مجمع البيان ٢ : ٣٢٧ ؛ الدرّ ٢ : ٢٤٨.
(٥) التفسير الكبير ٥ : ١٨٧.
(٦) مسند أحمد ١ : ٤٦.
(٧) النجم ٥٣ : ٣١ ـ ٣٢.