[٢ / ٦٢٠٠] وقال أبو جعفر الطبري : والصواب من القول في ذلك ما قاله عطاء بن ميسرة ، من أنّ النهي عن قتال المشركين في الأشهر الحرم منسوخ ... لتظاهر الأخبار عن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم أنّه غزا هوازن بحنين ، وثقيفا بالطائف ، وأرسل أبا عامر إلى أوطاس لحرب من بها من المشركين في بعض الأشهر الحرم ، وذلك في شوّال وبعض ذي القعدة ، وهو من الأشهر الحرم. فكان معلوما بذلك أنّه لو كان القتال فيهنّ حراما وفيه معصية ، كان صلىاللهعليهوآلهوسلم أبعد الناس من فعله. وقد أجمع أهل العلم بسير رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم أنّ بيعة الرضوان على قتال قريش كانت في ذي القعدة ، وأنّه صلىاللهعليهوآلهوسلم إنّما دعا أصحابه إليها يومئذ لأنّه بلغه أنّ عثمان قتله المشركون ، إذ أرسله إليهم. فبايع صلىاللهعليهوآلهوسلم على أن يناجز القوم الحرب ويحاربهم ، حتّى رجع عثمان بالرسالة وجرى بين النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم وقريش الصلح ، فكفّ عن حربهم حينئذ وقتالهم ، وكان ذلك في ذي القعدة ، وهو من الأشهر الحرم.
فإذا كان ذلك كذلك تبيّن صحّة ما قلنا في قوله : (يَسْئَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرامِ قِتالٍ فِيهِ قُلْ قِتالٌ فِيهِ كَبِيرٌ) وأنّه منسوخ (١)!
[٢ / ٦٢٠١] وأخرج ابن أبي حاتم عن عروة بن الزبير (وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ) ، أي قد كانوا يفتنونكم في دينكم وأنتم في حرمة الله حتّى تكفروا بعد إيمانكم ، فهذا أكبر عند الله من أن تقتلوهم في الشهر الحرام (٢).
[٢ / ٦٢٠٢] وعن محمّد بن كعب ، قوله : (وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ) قال : من يرتدّ عن الحقّ (٣).
[٢ / ٦٢٠٣] وأخرج ابن جرير عن عروة بن الزبير قال : (وَلا يَزالُونَ يُقاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطاعُوا) أي هم مقيمون على أخبث ذلك وأعظمه ، غير تائبين ولا نازعين ، يعني على أن يفتنوا المسلمين عن دينهم حتّى يردّوهم إلى الكفر ، كما كانوا يفعلون بمن قدروا عليه منهم قبل الهجرة (٤).
***
وهنا يمضي السياق ليكشف عن عمق الشرّ الّذي انطوت عليه نفوس ملحدة ، لا ترى للإنسانيّة العليا حرمة ولا قداسة. بل جبلوا على الفساد والإفساد في الأرض. وأصالة العدوان في
__________________
(١) الطبري ٢ : ٤٨٠ ـ ٤٨١.
(٢) ابن أبي حاتم ٢ : ٣٨٦ / ٢٠٣٤.
(٣) المصدر ٣٨٧ / ٢٠٣٩.
(٤) الطبري ٢ : ٤٨١ / ٣٢٦٩.