نيّتهم وخطّتهم ، بادية لافحة : (وَلا يَزالُونَ يُقاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطاعُوا) ولن يستطيعوا أبدا ، ما دام المسلمون ثابتين على عقيدتهم ، لم تزعزعهم العواصف.
أمّا ومن وهنت عقيدته وكادت تزلّ قدمه ، فإنّ مآله إلى الخسران الدائم ، سواء في هذه الحياة ، فيقضيها دنيئة وحقيرة. أم في الحياة الأخرى ، حيث سوء المآب.
(وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ) ويزلّ (فَيَمُتْ وَهُوَ كافِرٌ) بقاء مع الكفر حتّى الموت (فَأُولئِكَ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ) هدرت نهائيّا وخسروها خسرانا (فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَ) فوق ذلك : أنّ (أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ). شملتهم اللعنة الأبديّة بلا أمد.
نعم إنّ القلب الّذي تذوّق الإسلام وتعرّفه ، لا يمكن أن يرتدد عنه ارتدادا حقيقيّا ، إلّا إذا كان عن وهن في عقيدته منذ البدء. ممّن عبد الله على حرف ، فإن أصابه خير في ظاهر الأمر اطمأنّ به ، وإن أصابته فتنة ، لم يملك نفسه وانقلب على وجهه ، خسر الدنيا والآخرة ، ذلك هو الخسران المبين (١).
وسوف نتكلّم عن الارتداد وآثارها السيّئة في إطاره القرآني.
ثمّ هذا التحذير من الله قائم عبر الزمان. ليس لمؤمن عذر أن يخنع لعذاب أو فتنة ، ليزلّ عن طريقته الّتي كان قد اختارها عن وعي وعن حجّة قاطعة. فيرجع عن الحقّ الّذي ذاقه وعرفه ، بل لمسه لمسا. وهناك المجاهدة والمجالدة والصبر والثبات ، حتّى يأذن الله ويأتي بأمره ، والله لا يترك عباده المؤمنين دون أن ينصرهم ويأخذ بأيديهم نحو ساحل النجاة. (إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهادُ)(٢). فلا يزال المؤمن في كنفه تعالى منعما بإحدى الحسنيين : إمّا النصر أو الشهادة.
فهناك رحمته تعالى يرجوها المؤمن ، ولا ييأس منها مؤمن عامر القلب بالإيمان الصادق : (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هاجَرُوا وَجاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أُولئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللهِ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ.)
[٢ / ٦٢٠٤] أخرج ابن أبي حاتم عن الربيع بن أنس في قوله : (أُولئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللهِ) قال :
__________________
(١) الحجّ ٢٢ : ١١. اقتباس وتضمين. وستأتي الإشارة إلى أنّ المؤمن لا ينقلب على عقبه. وهذا من مذهب أصحابنا أهل التحقيق ، إذ من لمس الحقّ وعاينه بشهود ، لا يمكنه إنكاره ولا رفضه إذا كان مستقيم الفطرة سليما في عقله.
(٢) غافر ٤٠ : ٥١.