أحدا من أصحابك على السير معك».
فسار عبد الله يومين ثمّ نزل وفتح الكتاب فإذا فيه : «بسم الله الرحمان الرحيم أمّا بعد ، فسر على بركة الله بمن تبعك من أصحابك حتّى تنزل بطن نخلة فترصّد بها عير قريش لعلّك تأتينا منه بخبر».
فلمّا نظر في الكتاب قال : سمعا وطاعة ، ثمّ قال لأصحابه ذلك ، وقال : إنّه نهاني أن أستكره أحدا منكم فمن كان يريد الشهادة فلينطلق ، ومن كره فليرجع فإنّي ماض لأمر رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم.
ثمّ مضى ومضى معه أصحابه لم يتخلّف عنه منهم أحد حتّى كان بمعدن فوق الفرع بموضع من الحجاز يقال له نحوان ، أضلّ سعد بن أبي وقّاص وعتبة بن غزوان بعيرا لهما كانا يعتقبانه ، فاستأذنا أن يتخلّفا في طلب بعيرهما فأذن لهما ، فتخلّفا في طلبه ، ومضى ببقيّة أصحابه حتّى نزلوا بطن نخلة بين مكّة والطائف ، فبينا هم كذلك إذ مرّت عير لقريش تحمل زبيبا وأدما وتجارة من تجّار الطائف ، فيهم عمرو بن الحضرمي والحكم بن كيسان مولى هشام بن المغيرة وعثمان بن عبد الله بن المغيرة وأخوه نوفل بن عبد الله المخزوميان ، فلمّا رأوا أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم هابوهم ، فقال عبد الله بن جحش : إنّ القوم قد ذعروا منكم فاحلقوا رأس رجل منكم وليتعرّض لهم فإذا رأوه محلوقا أمنوا وقالوا : قوم عمّار ، فحلقوا رأس عكّاشة ثمّ أشرف عليهم ، فقالوا : قوم عمّار لا بأس عليكم ، فأمنوهم.
وكان ذلك في آخر يوم من جمادي الآخرة ، وكانوا يرون أنّه من جمادي وهو من رجب ، فتشاور القوم وقالوا : لئن تركتموهم الليلة ليدخلنّ الحرم فليمتنعنّ منكم ، فأجمعوا أمرهم في مواقعة القوم ، فرمى واقد بن عبد الله السهميّ عمرو بن الحضرميّ فقتله ، فكان أوّل قتيل من المشركين (وهو أوّل قتيل في الهجرة وأدّى النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم دية ابن الحضرميّ إلى ورثته من قريش. قال مجاهد وغيره : لأنّه كان بين رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم وبين قريش عهد ، وادع أهل مكّة سنتين أن لا يقاتلهم ولا يقاتلوه) واستأسر الحكم وعثمان فكانا أوّل أسيرين في الإسلام ، وأفلت نوفل فأعجزهم.
واستاق المؤمنون العير والأسيرين حتّى قدموا على رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم بالمدينة ، فقالت قريش : قد استحلّ محمّد الشهر الحرام فسفك فيه الدماء وأخذ فيه الحرائب ، وعيّر بذلك أهل مكّة من كان بها من المسلمين ، وقالوا : يا معشر الصبأة ، استحللتم الشهر الحرام وقاتلتم فيه ، وبلغ ذلك