وانطلقت الدعايات المضلّلة على هذا النحو ، بشتّى الأساليب الماكرة الّتي تروج في البيئة العربيّة ، وتظهر محمّدا وأصحابه بمظهر المعتدي الّذي يدوس مقدّسات العرب!!
فنزلت الآية ـ نقضا لهكذي شبهات فارغة ـ بأنّ القتال في الأشهر الحرم ، وإن كان كبيرا ، لكن هناك فضائح وفضائع أكبر إثما من القتال.
(قُلْ قِتالٌ فِيهِ كَبِيرٌ). فالقتال فيه كبيرة موبقة ، نعم! ولكن (وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَإِخْراجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللهِ.) حيث كان المشركون حصروا على المسلمين وكمنوا لهم بكلّ مرصد. وهذا كفر بالله وكفر بالمسجد الحرام ، أي نقض لحرمته وهتك لحريمه.
بل إخراج أهله منه ، وإخراجهم إلى الهروب من بلد الأمن ، أكبر جريمة وإثما عند الله. بل (وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ.) أي تضييق المجال على المؤمنين وافتتانهم عن دينهم ، ليعودوا مشركين.
كلّ ذلك (الإحراج والافتتان) أكبر عند الله من القتل ؛ لأنّ ذاك سحق لمعالم الإنسانيّة محضا. وهذا هدر لدم.
وقد كان المشركون يرتكبون الأفحش من غير مبالاة ، وفي نفس الوقت كانوا يعيّرون على المسلمين ارتكابهم الأهون الّذي أصابهم. إذن فقد كان شعار «حرمة الشهر الحرام» كلمة حقّ يراد بها الباطل.
وسنتكلّم عن كبائر الذنوب وصغائرها ، وأن لا صغيرة ذاتيّا وإنّما هي نسبيّة ، فكلّ ذنب بالنسبة إلى ما هو أكبر منه صغيرة ، وبالنسبة إلى ما هو أصغر منه كبيرة. والجميع كبائر ، حيث لاحظنا عظم من عصيناه ؛ فقد كبر مقتا عند الله ، اجتراء العاصين!
[٢ / ٦١٩٧] ذكر الثعلبي أنّ رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم بعث عبد الله بن جحش وهو ابن عمّة النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم أخت أبيه في جمادي الآخرة ، قبل قتال بدر بشهرين على رأس سبعة عشر شهرا من مقدمه إلى المدينة ، وبعث معه ثمانية رهط من المهاجرين : سعد بن أبي وقّاص الزّهري وعكّاشة بن محصن الأسدي وعتبة بن غزوان السّلمي وأبا حذيفة بن عتبة بن ربيعة وسهيل بن بيضاء وعامر بن ربيعة وواقد بن عبد الله وخالد بن بكير.
وكتب بإمرة عبد الله بن جحش كتابا وقال له : «سر على اسم الله ، ولا تنظر في الكتاب حتّى تسير يومين ، فإذا نزلت فافتح الكتاب واقرأه على أصحابك ، ثمّ امض لما أمرتك ولا تستكرهنّ