«فقدّموا الدارع ، وأخّروا الحاسر (١) ، وعضّوا على الأضراس ، فإنّه أنبى للسيوف عن الهام ، والتووا في أطراف الرماح فإنّه أمور للأسنة ، وغضّوا الأبصار فإنّه أربط للجأش وأسكن للقلوب ، وأميتوا الأصوات فإنّه أطرد للفشل ، ورايتكم فلا تميلوها ولا تخلّوها ولا تجعلوها إلّا بأيدي الشجعان منكم ، فإنّ الصابرين على نزول الحقائق (٢) هم الّذين يحفّون براياتهم ويكتنفونها حفافيها (٣) وورائها وأمامها لا يتأخّرون عنها فيسلموها ولا يتقدّمون عليها فيفردوها ، أجزأ امرؤ قرنه (٤) وآسى أخاه بنفسه ، ولم يكل قرنه إلى أخيه فيجتمع عليه قرنه وقرن أخيه ، وأيم الله لو فررتم من سيف العاجلة لا تسلموا من سيف الآخرة ، أنتم لهاميم العرب والسّنام الأعظم. إنّ في الفرار موجدة (٥) الله ، والذلّ اللازم ، والعار الباقي ، وإنّ الفارّ غير مزيد في عمره ، ولا محجوب بينه وبين يومه ، من رايح إلى الله كالظمآن يرد الماء. الجنّة تحت أطراف العوالي (٦) ، اليوم تبلى الأخبار ، اللهم فإن ردّوا الحقّ فافضض جماعتهم ، وشتّت كلمتهم ، وأبسلهم بخطاياهم إنّهم لن يزولوا عن مواقفهم دون طعن دراك يخرج منه النسيم ، وضرب يفلق الهام ويطيح العظام ويندر (٧) السّواعد والأقدام وحتّى يرموا بالمناسر تتبعها المناسر (٨) ، ويرموا بالكتائب تقفوها الحلايب (٩) حتّى يجرّ ببلادهم الخميس يتلوه الخميس ، وحتّى تدعق الخيول في نواحي أرضهم وبأعنان مساربهم ومسارحهم». (١٠)
[٢ / ٦١٥٠] وروى الشيخ الكليني بإسناده عن عقيل الخزاعي أنّ أمير المؤمنين عليهالسلام كان إذا حضر الحرب يوصي المسلمين بكلمات فيقول : «تعاهدوا الصّلاة ، وحافظوا عليها ، واستكثروا منها ، وتقرّبوا بها ، فإنّها كانت على المؤمنين كتابا موقوتا ، وقد علم ذلك الكفّار حيث سئلوا : ما سلككم في سقر قالوا : لم نك من المصلّين ، وقد عرفها من طرقها ، وأكرم بها المؤمنين الّذين لا يشغلهم عنها
__________________
(١) الحاسر : من لا درع له.
(٢) حقائق : جمع حاقّة ، وهي النازلة الثابتة.
(٣) حفافيها : جانبيها.
(٤) أجزأ امرؤ قرنه ، أي فليكف كلّ منكم كفؤه ، فيقتله.
(٥) موجدته : غضبه.
(٦) العوالي : الرماح.
(٧) يندرها : يسقطها.
(٨) المناسر : القطعة من الجيش تكون أمام الجيش الأعظم.
(٩) الحلائب : الجماعة من الخيل تجتمع من كلّ صوب للنصرة.
(١٠) نهج البلاغه ٢ : ٢ ـ ٤ / الخطبة ١٢٣.