٦ إلى ٩ ـ (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ ناراً ...) انتقل سبحانه إلى خطاب المؤمنين فأمرهم أن يقوا أنفسهم وأهليهم من النار ، أي أن يحفظوها ويمنعوها من النار ، وذلك بالصبر على الطاعات وبالامتناع عن المعاصي ، ولا تتهاونوا بأهلكم بأن تعلّموهم ذلك وتعوّدوهم عليه ، وهذه دعوة لأن يؤدّب المرء عياله بأدب الدّين ويعلّمهم تعاليمه ، ومنهم خدمه وإماؤه ومن كان يعوله ، فيجب أن يقوا أنفسهم من النار التي (وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجارَةُ) أي أن حطبها من الناس وحجارتها من الكبريت الذي يلتهب ويزيد في اشتعال النار ولهبها وحرارتها (عَلَيْها مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدادٌ) أي أنه موكلّ بها ملائكة غلاظ القلوب أقوياء لا يرحمون أهل النار ولا يعطفون عليهم ، وهم زبانيتها التسعة عشر ومساعدوهم (لا يَعْصُونَ اللهَ) في شيء (وَيَفْعَلُونَ ما يُؤْمَرُونَ) لا يخالفون ما حكم به على العصاة ولا تأخذهم بأحد رحمة. ثم ذكر ما يقال للكفار يومئذ فقال تبارك وتعالى (يا أَيُّهَا الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَعْتَذِرُوا الْيَوْمَ) أي أنهم حين يعذّبون بذنوبهم يشرعون في الاعتذار عمّا فرط منهم فيقال لهم : دعوا أعذاركم التي لا تسمع لأنكم (إِنَّما تُجْزَوْنَ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) أي إنما تلقون جزاء أعمالكم التي فعلتموها. وعاد سبحانه يخاطب المؤمنين لما يجب عليهم في دار العمل والتكليف فقال : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللهِ) أقلعوا عن معاصيه وارجعوا إلى طاعته ولتكن توبتكم (تَوْبَةً نَصُوحاً) أي خالصة لوجه الله. وعن ابن عباس أنه قال : قال معاذ بن جبل : يا رسول الله ما التوبة النّصوح؟ قال : أن يتوب التائب ثم لا يرجع في ذنب كما لا يعود اللّبن في الضّرع. فهي إذن أن يناصح الإنسان نفسه بالنّدم الخالص والعزم على عدم العودة ، لأنها استغفار في اللسان وندم في القلب وإمساك عن الذّنب (عَسى رَبُّكُمْ) أي توبوا بأمل أن ربّكم سبحانه وتعالى أوجب عليه نفسه أن (يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ) يمحوها عنكم ويسترها (وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ)