بالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً (٣))
١ إلى ٣ ـ (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ ...) الخطاب للنبيّ صلىاللهعليهوآله أنشأه به سبحانه ليبيّن حكما ، بل أحكاما شرعيّة هي للمكلّفين وعليهم وهي لأمّة محمد (ص) إلى آخر الدهر ، ف (إِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ) أي إذا أردتم طلاقهنّ لسبب مشروع (فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَ) أي لوقت عدّتهن ، والعدّة هي الطّهر الذي لم يواقعها فيه زوجها ، وهذا يعني : طلّقوهنّ في الطّهر الذي يحصينه من عدّتهنّ لأنهنّ يعتددن بذلك الطّهر الذي يقع فيه الطلاق ، وتحصل في العدة عقيب الطلاق. فلا تطلّقوهنّ لحيضهنّ الذي لا يعتددن به من القرء. وقد قيل إن (اللام) للسبب الذي ذكرناه ، فكأنّه قال سبحانه : (فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَ) ، لأن هذا الحكم للمدخول بها بلا ريب ، ولأن المطلقة قبل المسيس بها وقبل مجامعتها لا عدّة لها ، وذلك قوله تعالى : (فَما لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَها). ونلفت النظر إلى أن ظاهر الشريفة يدل على أنه إذا طلّقها في الحيض ، أو في طهر واقعها فيه ، فلا يقع الطلاق ، لأن الأمر فيها ب (لِعِدَّتِهِنَ) يقتضي الإيجاب. وفي صحيح البخاري أن عبد الله بن عمر طلّق امرأته وهي حائض تطليقة واحدة ، فأمر رسول الله (ص) أن يراجعها ويمسكها حتى تطهر وتحيض عنده حيضة أخرى ، ثم يمهلها حتى تطهر من حيضها ، فإذا أراد أن يطلّقها فليطلّقها حين تطهر من قبل أن يجامعها. فتلك العدّة التي أمر الله تعالى أن يطلّق بها النساء (وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ) أي عدّوا الأقراء التي تعتدّ بها المطلّقة ، لأن لها فيها حقّ النفقة والسّكنى ، وللزوج فيها حقّ المراجعة ومنعها عن أن تتزوج بغيره ، لثبوت نسب الولد إذا حصل حمل. أما العدّة فهي قعود المرأة عن الزوج حتى تنقضي المدة المرتّبة بحسب الشرع (لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَ) لا تدعوهن يغادرنّ بيوتهنّ التي هي بيوتكم ـ بيوت المطلّقين ـ فلا يجوز للزوج أن يخرج المطلّقة المعتدّة من منزله