وأفضاله (وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) قادر على فعل ما يشاء ويحيي ويميت وبيده القدرة والاستطاعة اللتين لا حدود لهما ، و (هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ) أوجدكم من العدم (فَمِنْكُمْ كافِرٌ) لم يعترف بخالقه ووحدانيّته وقدرته (وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ) مقرّ بذلك ، فالمكلّفون نوعان : كافر يدخل تحته سائر أنواع الكفر ، ومؤمن به تعالى وبرسله وكتبه ، ولكنه تعالى لم يخلقهم هكذا كافرين ومؤمنين بل الكفر والإيمان من فعلهم وبدافع اختيارهم ودلالاتهم العقلية إذ بعث الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم وأزاح العلة وأظهر آياته لكل ذي بصيرة ، والمولود إنما يولد على الفطرة كما قال رسول الله صلىاللهعليهوآله ، وقال أيضا كما في المجمع حكاية عن الله تبارك وتعالى : خلقت عبادي كلّهم حنفاء (وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) عالم بأعمالكم مطّلع على أحوالكم (خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِ) أي أنشأهما وأوجدهما بإحكام الصنعة وأقامهما على الحق وصحة التقدير. وقيل يعني خلقهما للحق ولإظهاره وأوجد فيهما العقلاء المتدبّرين ليتعرّضوا إلى ثوابه بالعمل بطاعاته (وَصَوَّرَكُمْ) يعني خلق البشر على ما هم عليه من الهيئة (فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ) من حيث تمام الخلقة ، وهو كقوله تعالى : (لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ) ، وهذا لا يمنع أن يكون بينهم المشوّه بالعرض فأصل الخلقة حسن الصورة بالنسبة لبقية المخلوقات (وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ) أي إليه المرجع يوم القيامة (يَعْلَمُ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) كبيرا كان أم صغيرا ولا يفوت علمه شيء (وَيَعْلَمُ ما تُسِرُّونَ) ما تفعلون في سرّكم (وَما تُعْلِنُونَ) وما تظهرونه من غير فرق بين من يخفي في صدره ولا بين من يجهر ويفصح (وَاللهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ) أي عارف حقّ المعرفة بما يجري في بواطن الصدور ما تهمس به وما يدور في الخلد.
* * *
(أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ فَذاقُوا وَبالَ أَمْرِهِمْ