ذلك ، ليرد من جهته جوابا يقنع.
وقد قيل : إن بين الموضعين فرقا لأن إحدى المسألتين لا يمكن أن نستدل عليها بالسمع ، والأخرى يمكن ذلك فيها ، ففارق أحدهما الآخر.
وأما ما ذكروه من أن السؤال سؤال موسى عليهالسلام ، لأنه أضاف سؤال الرؤية إلى نفسه بقوله : (رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ) [الأعراف : ١٤٣] ، فلا يصح ، لأنه غير ممتنع أن يكون السؤال سؤال قومه ثم إنه يضيفه إلى نفسه ، وهذا ظاهر في الشاهد. ألا ترى أن الكثير منا إذا شفع لغيره في حاجة ، ربما يقول : اقض حاجتي وأنجح طلبتي وما جرى هذا المجرى ، فيضيفه إلى نفسه وإن كانت الحاجة حاجة غيره. وأما ما قالوه من أن السؤال سؤال موسى ، لأنه تاب عن ذلك ، والتوبة لا تصح إلا من فعل نفسه ، فلا يصح أيضا ، لأن توبته هو ، لأنه سأل الله بحضرة القوم من غير إذن ، ولا يجوز من الأنبياء أن يسألوا الله تعالى بحضرة الأمة من غير إذن سمعي ، لأنه لا يمتنع أن يكون الصلاح أن لا يجابوا ، فيكون ذلك تنفيرا عن قبول قوله.
وأما الصاعقة فلم يكن ذلك عقوبة ، وإنما كان ذلك امتحانا وابتلاء كما امتحن الله غيره من الأنبياء.
وهذه الآية حجة لنا عليهم من وجهين :
أحدهما ، هو أنه تعالى قال مجيبا لسؤاله (رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ) قال لن تراني ولن موضوعة للتأبيد ، فقد نفى أن يكون مرئيا البتة ، وهذا يدل على استحالة الرؤية عليه. فإن قالوا : أليس أنه تعالى قال حاكيا عن اليهود (وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَداً بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ) [البقرة : ٩٥] أي لا يتمنون الموت ، ثم قال حاكيا عنهم (يا مالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنا رَبُّكَ قالَ إِنَّكُمْ ماكِثُونَ) [الزخرف : ٧٧] فكيف يقال : إن لن موضوع للتأبيد؟ قلنا : إن لن موضوعة للتأبيد ثم ليس يجب أن لا يصح استعماله إلا حقيقة ، بل لا يمتنع أن يستعمل مجازا ، وصار الحال فيه كالحال في قولهم أسد وخنزير وحمار ، فكما أن موضعها وحقيقتها لحيوانات مخصوصة ثم تستعمل في غيرها على سبيل المجاز والتوسع ، واستعمالهم في غيرها لا يقدح في حقيقتها ، كذلك هاهنا.
والوجه الثاني من الاستدلال بهذه الآية ، هو أنه تعالى قال : (لَنْ تَرانِي وَلكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكانَهُ فَسَوْفَ تَرانِي) [الأعراف : ١٤٣] علق الرؤية باستقرار الجبل. فلا يخلو ، إما أن يكون علقها باستقراره بعد تحركه ، وتدكدكه ، أو علقها به حال