يجوز أن يقال عنده : الرجال يأتين ، ولا ينفعه كونه اجتمع مع الرجال هنا «كل ضامر» ، فيقال جاز ذلك لما اجتمع معه ما يجوز فيه ذلك إذ يلزم منه تغليب غير العاقل على العاقل وهو ممنوع (١). وقال البغوي : وإنما جمع «يأتين» لمكان (٢) «كلّ» وأراد النوق (٣). وقرأ ابن مسعود والضحاك وابن أبي عبلة «يأتون» تغليبا للعقلاء الذكور (٤). وعلى هذا فيحتمل أن يكون قوله : (عَلى كُلِّ ضامِرٍ) حالا أيضا ، ويكون «يأتون» مستأنفا متعلق به من كل فج أي يأتونك رجالا وركبانا ثم قال : «يأتون من كل فج» وأن يتعلق بقوله «يأتون» أي يأتون على كل ضامر من كل فجّ ، و «يأتون» مستأنف أيضا (٥) ، فلا يجوز أن يكون صفة ل «رجالا» ول «ضامر» لاختلاف الموصوف في الإعراب ؛ لأن أحدهما منصوب والآخر مجرور ، ولو قلت : رأيت زيدا ومررت بعمرو العاقلين. على النعت لم يجز بل على القطع. وقد جوّز ذلك الزمخشري فقال : وقرىء «يأتون» صفة للرجال والركبان (٦) وهو مردود بما ذكرنا. والفج : الطريق بين الجبلين ، ثم يستعمل في سائر الطرق اتساعا (٧). والعميق : البعيد سفلا ، يقال : بئر عميقة معيقة (٨) ، فيجوز أن يكون مقلوبا إلا أنه أقل (٩) من الأول ، قال :
٣٧٦٠ ـ إذا الخيل جاءت من فجاج عميقة |
|
يمدّ بها في السّير أشعث شاحب (١٠) |
وقرأ ابن مسعود : «معيق» (١١) ويقال : عمق وعمق بكسر العين وضمها عمقا بفتح الفاء قال الليث : عميق (ومعيق ، والعميق في الطريق أكثر (١٢). وقال الفراء : عميق لغة الحجاز) (١٣) ومعيق لغة تميم (١٤) وأعمقت البئر وأمعقتها وعمقت ومعقت عماقة ومعاقة وإعماقا وإمعاقا قال رؤبة :
__________________
(١) الدر المصون : ٥ / ٧٢.
(٢) في ب : لمحار. وهو تحريف.
(٣) البغوي : ٥ / ٥٧٤.
(٤) المختصر (٩٥) ، البحر المحيط ٦ / ٣٦٤.
(٥) انظر التبيان ٢ / ٩٤٠.
(٦) الكشاف ٣ / ٣٠.
(٧) اللسان (فجج).
(٨) في النسختين : بئر عميق ومعيق. والصواب ما أثبته ، ففي اللسان (عمق) وتقول العرب : بئر عميقة ومعيقة بعيدة القعر. وقال ابن الأنباري: (والبئر : أنثى ، يقال في تصغيرها : بؤيرة ، ويقال في جمع القلة : أبآر ، وآبار على نقل الهمزة ومثله : رأي وأرآء وآراء ، ويقال في جمعها أيضا في القلة : أبؤر .... ويقال في جمع الكثرة : بآر. على مثال قولك : جمال وجبال) المذكر والمؤنث ١ / ٥١٧ ـ ٥١٨.
(٩) أقل : سقط من الأصل.
(١٠) البيت من بحر الطويل لم أهتد إلى قائله وهو في تفسير ابن عطية ١٠ / ٢٦٦ ، البحر المحيط ٦ / ٣٤٧ ، الفجاج : جمع فجّ وهو الطريق الواسع بين جبلين. العميق : البعيد وأصله البعد سفلا ، وهو موضع الشاهد. تشعّث شعره : تلبّد واغبرّ ، والشّعث : المغبرّ الرأس المنتتف الشعر. الشاحب : المتغير من هزال أو جوع أو سفر أو عمل ، ولم يقيّد في الصحاح بل قال شحب جسمه إذا تغيّر.
(١١) الكشاف ٣ / ٣٠ ، البحر المحيط ٦ / ٣٦٤.
(١٢) اللسان (عمق).
(١٣) ما بين القوسين سقط من ب.
(١٤) السان (عمق ، معق).