لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً)(١) [النساء : ٨٢] ثم قال : (إِنَّهُ كانَ غَفُوراً رَحِيماً) ، فذكر الغفور في هذا الموضع لوجهين :
أحدهما : قال أبو مسلم : إنه لما أنزله لأجل الإنذار وجب أن يكون غفورا رحيما ، غير مستعجل بالعقوبة.
الثاني : أنهم استوجبوا بمكابرتهم هذه أن يصب عليهم العقاب صبّا ، ولكن صرف عنهم كونه غفورا رحيما ، يمهل ولا يعاجل (٢).
الشبهة الثالثة : قوله تعالى : (وَقالُوا ما لِهذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعامَ). الآية. «ما» استفهامية مبتدأة ، والجار بعدها خبر ، و «يأكل» جملة حالية (٣) ، وبها تتم فائدة الإخبار ، كقوله : (فَما لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ) [المدثر : ٤٩] وقد تقدم في النساء (٤) أن لام الجر كتبت مفصولة من مجرورها ، وهو خارج عن قياس الخط (٥). والعامل في الحال الاستقرار العامل في الجر ، أو نفس الجر ذكره أبو البقاء (٦).
قوله : «فيكون». العامة على نصبه ، وفيه وجهان :
أحدهما : نصبه على جواب التحضيض (٧).
والثاني : قال أبو البقاء : «فيكون» منصوب على جواب الاستفهام (٨). وفيه نظر ، لأن ما بعد الفاء لا يترتب على هذا الاستفهام ، وشرط النصب أن ينعقد منهما شرط وجزاء. وقرىء «فيكون» بالرفع (٩) وهو معطوف على «أنزل» ، وجاز عطفه على الماضي ؛ لأن المراد بالماضي المستقبل إذ التقدير : لو لا ينزل (١٠).
قوله : «أو يلقى ... أو تكون» معطوفان على «أنزل» لما تقدم من كونه بمعنى
__________________
(١) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ٥١.
(٢) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ٥٢.
(٣) انظر التبيان ٢ / ٩٨١.
(٤) عند قوله تعالى : «فَما لِهؤُلاءِ الْقَوْمِ لا يَكادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثاً» [النساء : ٧٨].
(٥) لأن قياس الخط اتصال لام الجر بمجرورها ، وذكر مكي أن علة الفصل أنه كتب على لفظ المملي ، كأنه كان يقطع لفظه «مال ... هذا» فكتب الكاتب على لفظه ، وذكر أن الفراء قال : أصله : ما بال هذا الرسول ، ثم حذف (با) فبقيت اللام منفصلة. وقيل : إن أصل حروف الجر أن تأتي منفصلة مما بعدها نحو (في ، عن ، على) فأتى ما هو على حرف على قياس ما هو على حرفين. مشكل إعراب القرآن ٢ / ١٣٠.
(٦) قال أبو البقاء : (قوله تعالى : «يَأْكُلُ الطَّعامَ» هو في موضع الحال ، والعامل فيها العامل في «لهذا» أو نفس الظرف) التبيان ٢ / ٩٨١.
(٧) انظر الكشاف ٣ / ٨٩ ، البيان ٢ / ٢٠٢ ، التبيان ٢ / ٩٨١ ، البحر المحيط ٦ / ٤٨٣.
(٨) التبيان ٢ / ٩٨١.
(٩) حكاه أبو معاذ. المختصر (١٠٤) ، البحر المحيط ٦ / ٤٨٣.
(١٠) انظر الكشاف ٣ / ٨٩ ، البحر المحيط ٦ / ٤٨٣ ، وجوّز أبو حيان أيضا أن يكون جواب التحضيض على إضمار (هو) ، أي فهو يكون.