منها : أن الإضمار خلاف الأصل. وفيه نظر ، لأنّ هذا الإضمار في قوة المنطوق به ، فلا يقال : هو خلاف الأصل ، ألا ترى أن نحو : «قم» و «ليقم» فاعله مضمر ، ولا يقال في شيء منه هو خلاف الأصل ، وإنما الإضمار خلاف الأصل (١) فيما كان حذفا نحو : (وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ)(٢).
ومنها : أنّ هذا الضمير لا مرجع له ، أي : ليس له شيء يعود عليه ، فبطل أن يكون الفاعل ضميرا مستترا. وأجيب بأن الذي يعود عليه الضمير هو الموصول الأول (٣) ، أي : فليحذر المتسلّلون المخالفين (٤) عن أمره ، فيكونون قد أمروا بالحذر منهم ، أي : أمروا باجتنابهم ، كما يؤمر باجتناب الفسّاق. وردّوا هذا بوجهين :
أحدهما : أنّ الضمير مفرد (٥) ، والذي (٦) يعود عليه جمع ، ففاتت المطابقة التي هي شرط في تفسير الضمائر.
الثاني : أن المتسلّلين هم المخالفون ، فلو أمروا بالحذر عن الذين يخالفون لكانوا قد أمروا بالحذر عن أنفسهم ، وهو لا يجوز ، لأنه لا يمكن أن يؤمروا بالحذر عن أنفسهم. ويمكن أن يجاب عن الأول بأن الضمير وإن كان مفردا فإنما عاد على جمع باعتبار أن المعنى : فليحذر هو ، أي : من ذكر قبل ذلك ، وحكى سيبويه : «ضربني وضربت قومك» أي : ضربني من ثمّ ومن ذكر (٧) ، وهي مسألة معروفة في النحو. أو (٨) يكون التقدير : فليحذر كلّ واحد من المتسللين.
وعن الثاني : بأنه يجوز أن يؤمر الإنسان بالحذر عن نفسه مجازا ، يعني : أنه لا يطاوعها على (٩) شهواتها ، وما تسوّله له من السوء (١٠) ، وكأنه قيل : فليحذر المخالفون أنفسهم فلا يطيعوها فيما تأمرهم به ، ولهذا يقال : أمر نفسه ونهاها ، وأمرته نفسه باعتبار المجاز (١١).
__________________
(١) في ب : الأمثلة. وهو تحريف.
(٢) [يوسف : ٨٢]. يشير إلى تقدير مضاف ليصح إيقاع الفعل على المفعول ، أي : واسأل أهل القرية.
(٣) وهو قوله تعالى : «الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ».
(٤) في ب : المخالفون. وهو تحريف.
(٥) في ب : بمفدر.
(٦) والذي سقط من ب.
(٧) قال سيبويه : (وقد يجوز ضربت وضربني زيدا ، لأنّ بعضهم قد يقول متى رأيت أو قلت زيدا منطلقا ، والوجه متى رأيت أو قلت زيد منطلق. ومثل ذلك في الجواز ضربني وضربت قومك والوجه أن تقول : ضربوني وضربت قومك فتحمله على الآخر. فإن قلت : ضربتي وضربت قومك ، فجائز ، وهو قبيح ، أن تجعل اللفظ كالواحد ، كما تقول : هو أحسن الفتيان وأجمله وأكرم بنيه وأنبله. ولا بدّ من هذا ، لأنه لا يخلو الفعل من مضمر أو مظهر مرفوع من الأسماء ، كأنك قلت إذا مثلته ضربني من ثمّ وضربت قومك ، ونزل ذلك أجود وأحسن ، للتبيان الذي يجيء بعده ، فأضمر من ذلك) الكتاب ١ / ٧٩ ـ ٨٠.
(٨) في ب : و.
(٩) في ب : في.
(١٠) السوء : سقط من ب.
(١١) في ب : مجاز.